بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 تشرين الأول 2017 12:12ص تضحيات الحريري بالثروة والحياة

حجم الخط
تتزامن الذكرى الاولى لانتخاب الرئيس ميشال عون في ٣١ تشرين الاول مع الذكرى الخامسة والعشرين لتأليف الرئيس رفيق الحريري حكومته الاولى في ١ تشرين الثاني ١٩٩٢ بعد نجاحه في اخراج شريحة  لبنانية كبيرة من التقوقع والانكفاء الذي أصابهم بعد عام ١٩٨٢ وإعادتهم الى فكرة الدولة والانتظام العام. تلك العملية الاستثنائية والجبّارة لم تقم على الخطابات والتغريدات، ولا على التصريحات النارية، ولا على شتم فلان او تهديد فلان. كانت عملية إنقاذية بامتياز، حملت الأجيال من الجهل والانعزال الى المعرفة والانفتاح.
نستطيع التعرّف على حقيقة هذه التجربة وثوابتها وإنجازاتها من خلال قراءة كتاب الوزير الفضل شلق «تجربتي مع الحريري». ربما يكون الأستاذ شلق هو الشخصية الوحيدة التي وثّقت تلك التجربة الوطنية النهضوية الاستثنائية  بأمانة عالية وبحيادية، تلك التجربة التي سمّاها بعض الخبراء الدوليّين مؤخراً في اجتماعات حول إعادة إعمار سوريا «خيارات حريرية»  "Hariri Choice”، واعتبار العملية الإنقاذية التي ابتكرها وقادها رفيق الحريري هي اشبه بمشروع مارشال الذي أخرج أوروبا من ويلات الحرب العالمية الثانية الى التقدّم والازدهار. 
كتاب الفضل شلق «تجربتي مع الحريري» له علاقة بالتجربة الحلم وتحدّياتها وإنجازاتها وتسوياتها، والذي يقول فيه الفضل أنّ الرئيس الحريري طلب منه العمل بميزانية مفتوحة اي من دون سقف انفاق، وطلب من مدير المحاسبة لديه وأمام آخرين أن يقتطع مصاريفه وعائلته وأبناءه وأهله، وأن يحوّل كلّ الباقي الى مؤسّسة الحريري من أجل التعليم. وهكذا كان. كما يقول الأستاذ الفضل في كتابه انه كان يتلقى كل يوم اتصالاً من الرئيس الحريري ليسأله عن «الغلّة» او الأرباح  اليومية، أي عن عدد الطلاب الذين حملتهم الطائرات اليوم الى ارقى جامعات العالم أو الذين دخلوا الى الجامعات العريقة في لبنان.
حاولت مراراً إقناع الصديق الفضل شلق بترجمة ذلك الكتاب الوثيقة إلى عدة لغات، والذي اعتمد أسلوب السرد والسيرة الذاتية، والاستاذ الفضل مفكّر وكاتب كبير في الفكر والثقافة والتاريخ والاجتهاد والدولة والثورة، لذلك أحسن اختيار الاستشهادات والمواقف والمراحل والانجازات والاحداث بعقلية العارف أنّ هذا الكتاب هو من اجل ان يقرأه عموم الناس، لا بل من اجل ان يشاهده كل الناس. 
يبقى الشهداء بشهادة الأحياء الذين يشهدون بالحق ولا يزورون الإنجازات والحقائق من اجل المواقع او المنافع. ان الشاهد كريم كالشهيد، وهو غير ملوّث بالأنانيّة والذاتية البغضاء، والإنجازات ايضا تشهد للشهداء بإعادة الاعمار والازدهار وخصوصا قلب بيروت الآن الشاهد الصامت على الانجاز والاغتيال والذي يعاني من الظلم والتعطيل والخواء ،لأن الاوطان لا تبنى الا بالتضحية والكرم والعطاء. يجب ان نخاف على لبنان عندما يصبح عدم الوفاء ثقافة وطنية ومصلحة الطوائف فوق مصلحة الاوطان. 
أبناء العوام من المناطق اللبنانية البعيدة عن المدن شاهدوا رفيق الحريري عن بعد لعدم وجود علاقة طبيعية بين الأطراف والدولة المركزية في تاريخ لبنان. فالعلاقة بالمدينة وتشكيلاتها كانت امتيازاً للتقليد السياسي ثم للأحزاب وجماعة المخابرات، تسلل  رفيق الحريري الى عوام المناطق في حال بين الواقع والخيال، فدخل الى وجدانهم، ولم يدخل الى قراهم وبلداتهم الا من خلال بناتهم وأبنائهم المتخرّجين من أرقى الجامعات مسلحين بشهادتهم  وحق كلّ أبناء لبنان أغنياء وفقراء بالعلم والثروة وحكم البلاد . 
يبقى السؤال هل يستحق هؤلاء تضحيات رفيق الحريري بالثروة والحياة؟