يتعرض الأطفال مثل البالغين الى مواقف أو تجارب حياتية مخيفة وخطرة مثل حوادث الطرق، الإصابات البليغة، والجرائم... كل هذه تؤدي الى اضطرابات نفسية مختلفة نتيجة للصدمة مثل اضطرابات التفكير والسلوك والعواطف.
انطلاقا من ذلك،في حال لاحظ الأهل هذا الأمر يجب أن يقدموا على الفور المساعدة الممكنة وأن يستشيروا الأطباء المتخصصين.
تكون استجابة الأطفال مختلفة للصدمة النفسية، فهناك من يجد صعوبة فى النوم، أو أحلام مخيفة وكوابيس، علامات تبول ليلى ومص الأصابع.
وهذه الأعـراض أحيانا لا تظهر مباشـرة بعد الصدمة فقد تظهر بعد أيام أو اسابيع.
كل هذه المظاهر أعلاه تعتبر استجابة طبيعية لأحداث مخيفة وخطيرة لكن بمساعدة الأهل ودعم الاصدقاء يمكن أن يتجاوزها، ويشفى الطفل ويعود الى سابق حالته الطبيعية.
بلوط
لمعرفة المزيد عن صدمة الطفل النفسية،وانعكاسها على سلوكه وصحته النفسية التقت «اللواء» ألأخصائية في علم النفس العيادي سيلفا بلوط، فكان الحوار الآتي:
{ ماهو تعريف الصدمة النفسيّة عموما؟
- الصدمة النفسيّة تمثل الآثار النفسيّة السلبيّة الناجمة عن الضغوط التي يتعرّض لها الفرد، سواء كانت إقتصاديّة، أو معنويّة، ويستجيب بالتالي الفرد بقلقً وخوفٍ شديدَين.
أما ما يُطلِق الصدمة النفسيّة فهو حصول حدثٍ مفاجئ وغير متوقّع، بمعنى أنه يباغِت الفرد بدون أيّ إنذار، فيترك لديه إنفعالاً نفسياً كدراً يمكن أن يتحوّل إلى إضطرابٍ نفسيّ وسلوكيٍّ، يظهر عبر أعراض مَرضيّة، قد تستوجِب فيما بعد علاجاً عند أخصّائيّ نفسيّ».
{ ما هي أبرز العوامل التي تتسبّب بالصدمة النفسيّة لدى الطفل؟
- بالنسبة للصدمة النفسيّة لدى الطفل، تتنوّع أسبابها، قد يُطلقها الإيذاء الجسديّ للطفل، كالضرب المبرِح، أوإعتداء جنسيّ يتعرّض له، أو إختطافه.
كذلك الأمر، في حال كان يعيش الطفل في أسرة يسودها التعنيف الزوجيّ، بمعنى أنه إذا كان شاهد على ضرب أمّه وتعذيبها من قبل أبيه، ستتمكّن منه صدمة نفسيّة حادّة.
ومن بين الأسباب أيضاً، هناك الإيذاء من قبل حيوان، كعضّة كلب على سبيل المثال، قد تسبّب لديه رُهاباً من الكلاب. إضافة إلى تعرّضه إلى حروق شديدة. وقد يشكّل الضرب المبرِح من قبل المعلّم أوالمعلّمة عاملاً في إصابة الطفل بالصدمة النفسيّة.
إذاً، يمكن القول أن الطفل معرّض للصدمات النفسيّة في أي مكان، سواء في المنزل، أو في المدرسة، أو في الشارع....».
{ ما هي العوارض؟
- كأيّ إضطراب أوأزمة نفسيّة، تتنوّع عوارض الصدمة النفسيّة لدى الطفل. وهي تتجلّى في الخوف الشديد، الرعب،التبوّل اللاإراديّ، إضطراب النوم، الإكتئاب، والخوف من تركه من قبل والديه، بالإضافة إلى ألم المعدة والإحساس بضعف في الساقَين...وتظهر هذه العوارض بعد الحادث الكارثة، إن جاز التعبير، مباشرة أو خلال أسبوعين أو أكثر. وهذا ما يُعرف بإضطراب الصدمة الحادّة».
{ هل تختلف ردّة الفعل تِبعاً لعمر الطفل؟
- بالتأكيد، تختلف إستجابة الطفل للحادث السلبيّ المباغِت بين طفل وآخر بحسب سنّه. فالأطفال الصغارلا يعانون جدّاً، وخصوصاً من هم في مرحلة قبل المدرسة، لأنهم لا يمتلكون القدرة على إدراك الواقع كما هو.
في هذه المرحلة، لا يمتلك الطفل القدرة على تثبيت الذكريات لأنّ «المادة البيضاء» لا تكون مكتمِلة. ويُذكر أن هذه المادة، تكتمل، بشكلٍ شبه تامّ، في عمر الثلاث سنوات. أما في سنّ المدرسة، وخصوصاً ما قبل المرحلتين الإبتدائيّة والإبتدائيّة، فلا يعيش الطفل الصدمة النفسيّة كما يعيشها المراهق أوالراشد، إلا إذا حاول إستعادة تمثّيلها، وهذا لا يحدث إلا قليلاً.
فهو قادر على عدم إستعادة الحادث المباغت والكدِر، ومن ثمّ حماية نفسه من الإحساس بالقلق المصاحِب له. أما في سنّ المراهقة، فإن الطفل يختبر الصدمة كما يختبرها الراشد إذ يعيشها في اليقظة، أو الحلم، ومن ثمّ يتحمّل واقعها المؤلم».
{ في حال مشاهدة الطفل لوفاة أحد الأشخاص المقرّبين منه، هل تكون الصدمة أعنف؟
- عطفاً على ما تمّ ذكره، كلّما كان الطفل صغيراً في السنّ، كلّما كانت الصدمة أقلّ حدّة. ويعود السبب إلى ما أشرنا إليه:» عدم إكتمال المادة البيضاء»، ومن ثمّ نضوج الجهاز العصبيّ اللذين لا يسمحان بتثبيت الذكرى المؤلِمة.
والعكس صحيح، كلّما كان عمر الولد أكبر، كلما إختبر الصدمة النفسيّة وعانى من تبعاتها».
{ إلى أيّ مدى تلعب الأسرة دوراً هامّاً في خروج الطفل من الصدمة النفسيّة؟
- تعدّ الأسرة الإطار الرئيسيّ في دعم الطفل النفسيّ والمعنويّ للخروج من محنته المتمثّلة في الصدمة النفسيّة. وهنا لا يجب أن ننسى أن وجود الطفل في أسرة تسودها العلاقات الوديّة والحوار، يشكل بحدّ ذاته بيئة سليمة تحميه من أيّ إضطراب نفسيّ قدّ يتعرّض له.
أمّا في حال إصابته بصدمة نفسيّة، فعلى أسرته إحاطته بالأمان، وعدم تركه ليواجه وحده أيّ موقف صعب، بدون دعم نفسيّ. لذلك،يفضّل الإكثار من الحديث عن الحادث المؤلِم، وطمأنته بأن كلّ شيء سيكون على ما يُرام. كما يفضّل أيضاً إلهاء الطفل عن طريق ما يحبّه من ألعاب.
وفي حال كان الطفل في مرحلة ما قبل المراهقة، فيتعيّن على الوالدَين مناقشة ما يحدث معه، وتأكيدهما على أنهما يتفهّمانه، وعلى إستعداد لفعل كل شيءّ لحمايته».
{ كيف يتمّ العلاج؟
- ترتبط طريقة العلاج بعمر الطفل، قد يلجأ الأخصائيّ إلى الرسم الحرّ. ففي حال كان الطفل في سن صغير، على سبيل المثال أربع أو خمس سنوات، عادة ما يتمّ تفريغ الإنفعال السلبيّ من خلال الرسم الحرّ، لأنه، كما هو معروف، يشكل الوسيلة الأهم للتعبير. إذ لا يملك الطفل القدرة على التعبير الكلاميّ الصحيح. وهناك العلاج باللعب، وهو يشكّل علاجاً سلوكيّاً عند الطفل،إذ من خلاله يعيد المعالِج الحادث لكن بشكل ترفيهيّ، ليتمكّن الطفل من إجتيازه».
{ في حال عدم الإلتزام بالعلاج، ماذا تكون النتائج؟
- في حال فشل العلاج، وهذا يحدث نادراً، خصوصاً في حالة الطفل، قد يلجأ المعالِج إلى إعطائه أدوية مضادة للإكتئاب. إلا أن كل هذا مناطٌ بسنّ الطفل».
{ ختاماً، هلّ من نصائح محدّدة؟
- من الطبيعيّ و المفروض أن تشكّل الأسرة العامل الداعم له، لأنها هي التي تمكّنه من إمتلاك بنية نفسيّة سليمة من خلال أسلوب تربويّ سليم.
لذلك، يُنصح،قبل كلّ شيء، بأن يحلّ الوالدان مشاكلهما، قدر الإمكان، بعيداً عن طفلهما، وخصوصاً إذا كانت الخلافات حادّة. لأنه، في هذه الحالة، قد يظهر السلوك العنيف في تعاملهما مع بعضهما البعض، ومن ثمّ ينتاب الطفل الخوف الشديد.
أيضاً، يشكّل عدم لجوء الوالدين إلى العقاب القاسي وغير المبرّر، بالإضافة إلى تفهّم دوافع أفعاله مناعة نفسيّة لديه. كما يجب على الوالدين أيضاً، عدم ترك طفلهما في مكان غير آمن لوحده، كالشارع على سبيل المثال، لأن ذلك قدّ يعرّضه إلى إعتداء، قد يكون جنسيّ، أو معنويّ.
أمّا بالنسبة للمدرسة، فبالرغم من وضع قانون يمنع الضرب أوالعقاب الشديد للتلميذ، لا زلنا نسمع حتى الآن عن أحداث في غاية الخطورة تتمثّل في الضرب المبرح، أو سجن التلميذ في الصفّ، أوغيرها من السلوكيّات الخطيرة. لذلك، يجب على الجهاز الإداريّ في أيّة مؤسّسة تربويّة، وضع ما يجري في أولويّاتها، ومعالجته، حتى لا يقع التلاميذ ضحايا الصدمات النفسيّة»..