يجب علينا بمفهوم أدق، أن نتجاوز سياسة «العيب»، وذلك كـضرورة لبناء عقلية إنسانية متفتحة، ولتجاوز عدة مشكلات تعد عوائق ضد تطورنا الحضاري.
لذلك، فإن أحد أهم مكونات هذه العملية هي:» التوعية الجنسية» التي يجب أن تبدأ عند الذكر والأنثى معا كي لا يبقى هناك شيء مبهم بالنسبة لهما.
ومما لاشك فيه، أن هذه المسألة تتطلب بناء فكر سليم، من حيث النظرة إلى الجسد والجنس، وهي بالتالي تتطلب تعزيز مفهوم إنساني يعتمد على فكر احترام الذات وتقبلها بكافة أشكالها.
خدمات تثقيفية صحيةلتعزيز الصحة الجنسية
ضمن هذا الإطار، ولمناسبة اليوم العالمي للصحة الجنسية، استضاف المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت مؤخرا، لقاءً طبياً إعلامياً، خُصّص لتسليط الضوء على مسائل الصحة الجنسية، التي تكتسب أهمية حيوية بالنسبة للنساء والرجال في لبنان والمنطقة، إذ لا يمكن تقديم رعاية صحية شاملة إذا لم تشمل الصحة الجنسية.
وقد تم خلال اللقاء إطلاق برنامج الصحة الجنسية المتكامل للنساء (WISH) الجديد، الذي يقدم خدمات تثقيفية وصحية وطبية متخصصة، لتعزيز الصحة الجنسية والإنجابية والنفسية وتحسينها، ومعالجة الإضطرابات والعوارض المرتبطة بها.
د.القاق
للإطلاع على هذا «البرنامج» وأهمية التوعية على الصحة الجنسية للمرأة، التقت «اللواء» الأخصائي في الجراحة النسائية والتوليد والصحة الجنسية الدكتور فيصل القاق، فكان الحوار الآتي:
الصحة الجنسية تدخل بأساس صحة المرأة والرجل
{ بداية ماذا تخبرنا عن هذا «البرنامج»؟
- كما هو معلوم أن ال4 من أيلول يصادف اليوم العالمي للصحة الجنسية، وقد كانت مناسبة للبرنامج الذي أطلقناه في الأول من تموز 2019 في الجامعة الأميركية في المركز الطبي تحت إسم wish program، ألا وهو:» برنامج الصحة الجنسية المتكامل لدى النساء».
وهذا «البرنامج» الذي تم التحضير له مدة سنتين تقريبا، لفت بفلفسته إلى أن الصحة الجنسية تدخل في أساس صحة المرأة والرجل معا.
وحاليا، هي تشكل أساس الصحة العامة بحسب كل تعريفات منظمة الصحة العالمية وأهداف التنمية المستدامة 30ـ20.
وقد أتى هذا «البرنامج» ليتم إطلاقه عياديا وصحيا ودوائيا وعلاجيا، جراحيا، تثقيفيا...
لذلك أردنا في ال4 من أيلول الفائت، أن نستفيد من هذه المناسبة كي نطلق «البرنامج»على الصعيد الإعلامي، وذلك نظرا لأهمية دور الإعلام في مواكبة هذا البرنامج ونشر التوعية».
نشر التوعية والتثقيف
{ ما الهدف من هذا «البرنامج»؟
- الهدف أن نؤكد على أهمية هذا «البرنامج» وأهمية ألإعلام في تعزيز ونشر التوعية والتثقيف المتعلقين بالصحة الجنسية عند المرأة.
بما يعني ذلك صحتها في مراحل البلوغ وما بعد البلوغ، في المراهقة، قبل الحمل، خلال الحمل، بعد الولادة وخلال مختلف مراحل العمر.
وأيضا في حالات الإصابة بالسرطان، العلاج، الشفاء منه، ما بعد سن اليأس، بالإضافة إلى حالات الصحة النفسية.
أي أن نواكب الصحة الجنسية في كل مراحل المرأة».
مازلنا متخلفين
{ مقارنة بالسنوات الماضية، ونتيجة لتجربتك، برأيك هل ارتفعت نسبة الوعي اليوم؟
- لا شك أننا في لبنان ما زلنا متخلفين عن الركب المتعلق بموضوعي التوعية والتثقيف ما حول الصحة الجنسية، نظرا إلى ارتباط موضوع الجنس بالعيب والخجل وغير ذلك، وهو أمر غير صحيح.
وقد جرت أكثر من محاولة في آواخر التسعينات(1997ـ1996 )، لكنها باءت بالفشل.
ثم جرت محاولة ثانية عام 2000 وقد تكللت بالنجاح، وكانت عبارة عن مناهج صفية مدرسية للتربية حول مواضيع الصحة الإنجابية والنوع الإجتماعي، ومن ضمنها الصحة الجنسية.
وقد تم توقيع هذه المناهج بعد أن أنجزت من قبل وزيرة التربية آنذاك بهية الحريري.
والحقيقة، أنها كانت تجربة مهمة وناجحة وجدية.
ألأن ما مدى إستعمال وتطبيق المدارس لهذه المناهج؟ لا أعلم.
وفي هذا المجال، إسمحي لي أن أشيرإلى أن كافة الدراسات التي أجريناها في لبنان والتي قامت بها الأمم المتحدة ومنظمات أخرى متخصصة، أثبتت أن التربية الجنسية والتثقيف الجنسي يعززان وعي الفرد تجاه المشاكل الجنسية والأمراض، وبالتالي يؤخران بداية أول عمل جنسي. كما يخففان من المخاطر المرتبطة بالعمل الجنسي غير المحمي وأيضا يزيدان من ثقافة الصحة الجنسية التي تنعكس على الصحة العامة».
حالات جداً مأساوية
{ برأيك ما هي المشاكل التي ممكن أن تواجهها المرأة نتيجة لانعدام الثقافة الجنسية؟
- تبعا لعملي كطبيب نسائي، أرى حالات جدا مأساوية وحزينة ترتبط بالجهل الجنسي، والجهل حول الصحة الجنسية.سواء من حيث إتمام الزواج أو المباعدة ما بين الولادات، منع الحمل الطارىء أو التمتع بالصحة الجنسية نفسها.
أيضا المعنى الإيجابي للصحة الجنسية، لجهة الوقاية من الإلتهابات الجنسية وغيرها....
وهنا، عندما نتحدث عن الصحة الجنسية لا نتحدث فقط عن الحمل العادي بل عن المسؤولية والحقوق، عن المهارات، والقابلية للتعاطي مع الآخر...
هناك شمولية تعكس إلى أي مدى المجتمع متحضر ومثقف وجاهز لاحترام وتقبل الآخر لوضع الصحة الجنسية في إطارها السليم كجزء أساسي من صحتنا العامة.
مع الأسف، هذا الأمر غير موجود، لكننا في السنوات الأربع الأخيرة أستطيع أن أقول لك أن مرحلة التقبل والتحمل تزايدت، وباتت الأمور أقل خجلا في حياة الناس لجهة الصحة الجنسية.
وهذا أمر إيجابي نوعا ما، لأن هذه الجرأة والإنفتاح لا بد وأن يستمران».
خدمات طبية ومشورة
{ إلى أي مدى تساعد «التوعية الجنسية» على الوقاية من الأمراض النسائية لدى المرأة؟
- ألإستثمار في موضوع التوعية والتثقيف والمشورة الجنسية أساس «المنع»، ولا سيما للإلتهابات الجنسية، للحمل الغير مرغوب به، ألإجهاض، مشاكل ما بعد الإجهاض، المشاعر الجنسية....
كل هذه الأمور عندما تدركها المرأة من خلال التوعية والثقافة الجنسية ستخفف من أعبائها.
وهذا «البرنامج» أتى ليحاكي فعلا كل هذه المحاور:
الجانب العيادي، العلاجي، الدوائي والجراحي....
ونحن عندما نقدم هذه الخدمات الطبية، نقدم معها في المقابل المشورة أيضا».
المطلوب الإنصات والتحادث والإجابة
{ ماذا عن دور الأهل، وما هي أهمية المصارحة؟
- المطلوب من الأهل الإنصات والتحادث والإجابة على كافة الأسئلة بصراحة.
مع الأسف، هناك أهل لا يعلمون كيفية الإستماع جيدا لأنهم يخجلون من الدخول في هذه المواضيع فيرتبكون.
وهذا الأمر تبين لنا نتيجة دراسة قمنا بها في لبنان، حيث أقمنا 6 مجموعات بؤرية مع الأهل و6 مجموعات بؤرية مع الأولاد.
وسألنا الأولاد ما هي الأسئلة التي تودون طرحها على الأهل؟
وفي المقابل، سألنا الأهل ما هي المعلومات التي تحتاجونها لتخبرونها لأولادكم عندما يكبرون؟
جمعنا كل هذه «الداتا» ووسعناها وطبعناها ضمن كتابين واحد للأهل وآخر للأولاد.
لماذا؟
لأننا لمسنا أن دور الأهل مهم لكنه ليس الدور الوحيد والأساسي في هذا الموضوع، فهناك دور المدرسة، المناهج التربوية والجامعة أيضا».
النساء بحاجة ملحة للإستفسار
{ كيف ستحرصون من خلال «البرنامج» على نشر هذه «التوعية»؟
- بداية، نحن نشجع جدا الناس التي لديها أية أسئلة أو أية مشكلة طبية أو جسدية أو صحية تتعلق بموضوع الصحة الجنسية أن تزورنا في العيادات التابعة لهذا «البرنامج».
وفي هذا المجال، يهمني ان أؤكد أن لدينا بيئة آمنة، أي أن هناك سرية تامة وخصوصية وإفادة.هناك مشورة وخطة علاجية، وبالتالي نحن نود أن نساعد في كسر هذا الخوف الذي هو في عقولنا فقط لا غير.
في الماضي، عندما كان أحد يعاني من التوتر النفسي، كان يخجل الذهاب إلى الطبيب النفسي، أما اليوم فالوضع اختلف، وبتنا نراهم باالعشرات في عيادات الطب النفسي.
لذلك، علينا أن نعزز كسر الخجل في موضوع الصحة الجنسية.
ولهذه الغاية، سنحرص على أن يكون هناك لقاءات تحت عنوان: «خرق الصمت».
علىسبيل المثال، سنعقد لقاء في بيروت مع عدد من السيدات حول مشاكل منتصف العمر، بعدها سنتطرق لمشاكل الصحة الجنسية خلال العلاج وبعد الشفاء من السرطان.
أيضا سنلتقي الطلاب في المدارس، سنبذل كل ما باستطاعتنا لنشر التوعية.
وانطلاقا من ذلك، سيكون لدينا خطوط تواصل عبر كافة وسائل التواصل الإجتماعي لنشر ثقافة الصحة الجنسية لأكبر عدد ممكن من السيدات.
نعلم أن الموضوع ليس بالسهل، التحدي كبير لكن في المقابل الحاجة جدا ملحة ولا سيما أن هناك عدد كبير من النساء اللواتي هن بحاجة للإستفسار عن «الصحة الجنسية»».