بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 حزيران 2019 06:31ص بيروت في المرتبة 25 كأكثر المدن ازدحاماً في العالم

حجم الخط
احتلت بيروت المرتبة 25 كأثر المدن المزدحمة في العالم، وتؤدي الزحمة اليومية على مداخل بيروت الكبرى، الى زيادة الرحلة اليومية بنحو 46%، عما يفترض أن تكون عليه، والأسباب تعود بشكل رئيسي، إلى غياب النقل العام المشترك، الذي لا يستحوذ سوى على 2% من الرحلات اليومية، ما يدفع للمطالبة بوجود خطة حقيقية لقطاع النقل، حيث 68% من السكان يستعملون سياراتهم الخاصة من مجمل الرحلات اليومية، في مقابل 16% لسيارات الأجرة، و14% للباصات الخاصة.



لتسليط الضوء على هذا الواقع، ومعرفة المشكلة وراء ازدحام السير، التقت «اللـواء» الخبير في قطاع النقل المهندس راشد سركيس، فكان الحوار الآتي:


الخبير راشد سركيس



{ كيف تقيّم واقع النقل في لبنان؟

 - «لم يعد خافيا على احد، أن تراكمات الأخطاء المرتكبة على الطرقات اللبنانية تدين كل من شارك في القرار، كما في الدراسات وفي تنفيذ الأشغال، وكلهم مسؤولون أمام الشعب اللبناني، وتحديداً في أنفاق مطار رفيق الحريري الدولي، ومنها نفقا خلدة - الأوزاعي وخلدة – الشويفات، وأيضا الأنفاق والجسور، إلى التقاطعات والمداخل والمخارج في العاصمة والمناطق غير المدروسة.

وفي هذا السياق، شهدت ملفاتها الكثير من علامات الاستفهام، لناحية الصفقات والفساد والمال المنهوب، الذي استشرى في واقعها. وما يجري ما هو إلا انكباب حصري لمقاربة حركة السيارات، التي تتزايد بشكل غير مسبوق، وذلك دون أي وجود لخطة حقيقية لقطاع النقل تراعى فيه سلامة الإنسان وحركته السريعة وضابط الوقت والبيئة.

وأكبر مثال على ذلك ورود تحديد السرعة القصوى في قانون السير، دون تحديد السرعة الدنيا، لأن الذي يجب أن يحمي المواطن من مخاطر السرعة الزائدة، هو نفسه مسؤول أن يوفر له الحد الأدنى من السرعة، لكي يصل ضمن الوقت المقبول إلى وجهته».

الاستملاكات وضيق المساحات

{ برأيك ما المشكلة الأساسية التي يعاني منها قطاع النقل؟

- «إن قطاع النقل يعاني من مشكلة الإستملاكات وضيق المساحات، بحيث تظهر المشاريع مشوّهة وغير طبيعية، وفيها الكثير من الأخطاء، التي لا يمكن تصحيحها مستقبلاً. وآخر نموذج هو جسر جل الديب – الغريب في موقعه.

ومن العجائب استمرار اتكال الخزينة على فرض الضريبة على صفيحة البنزين، وهذا بحد ذاته أشبه بالجنون. وإذا عرضنا لواقع قطاع النقل بلغة الأرقام، واحتسبنا عبور 150 ألف سيارة إلى بيروت من المدخل الشمالي (نهر الموت) و80 ألفاً من المدخل الجنوبي (خلدة) و70 ألفاً من المدخل الشرقي (الحازمية)، وراكمنا كل هذه الزحمات بعامل الوقت الذي يصرفه كل مواطن، عند كل من مداخل العاصمة، (ذهابا وإيابا – في أفضل الأحوال)، (60 دقيقة الشمالي و40 دقيقة لكل من الجنوبي والشرقي)، بالإضافة الى الهدر في الوقت والطاقة والمحروقات والسيارات والبيئة، فتكون الخسائر الحاصلة 1 مليار و500 مليون دولار لـ 300 ألف سيارة، عند مداخل العاصمة بيروت فقط.

وبالطبع، يمكن احتساب المعدل ذاته للمدن الأخرى مجتمعة (طرابلس، صيدا، صور، زحلة، بعلبك والنبطية) دون أن ننسى تراكمات زحمات السير في الشوارع الرئيسية داخل المدن والمناطق الأخرى».

الخسارة السنوية

{ بكم تُقدّر قيمة الخسارة السنوية؟ 

- «تُقدّر الخسارة السنوية بأقل من 5 مليارات دولار أميركي، أكثر من ثلثها ثمن محروقات، تسدّد لكي نحرقها دون الاستفادة منها، بل على العكس ننتج تلوثاً كبيراً، دون احتساب خسارة الاقتصاد (تلف البضائع، التأخر على المواعيد والإستحقاقات الأخرى)، وبالتالي فإن إيجاد خطة للنقل يتطلب دعما كبيرا من الخزينة، لتوفير خدمة جيدة للمواطن، ومعرفة مدى تأثيرها على الإقتصاد الوطني. 

لذلك، التخطيط السليم يتطلّب وضع خريطة متكاملة لاستراتيجية العمل، توفر الحاجات وتلبّي خدمة المواطن، ومعرفة الحاجات التجارية ومنها: نقل البضائع، المواد الأولية، نقل المنتجات التصنيعية.

كما المطلوب وضع خطة خاصة بالنقل التجاري، وإعادة النظر في وظائف السائقين وتوزيعها، ووضع السكك الحديدية على الخريطة من جديد، وتكوين إطار تنظيمي يستوعب كل المتطلّبات، وإصدار تسعيرة لكل نوع من التنقل، في القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى وضع جداول بالأوقات التي يجب أن تستغرقها كل رحلة، من المصدر إلى الوجهة، ووضع خطة تسعير للمحروقات لكل قطاع، وتحميل السيارات سعر إضافي، مع فرض الضوابط الخاصة، للابتعاد عن استخدام السيارات التي تهدر المال بلا رقيب أو حسيب.

في المقابل، إنْ كانت قضية الفساد ومحاسبة الفاسدين، وضعت على النار، فإنّ أوّل من يجب محاسبتهم، هم كل من شارك وساهم في وضع الدراسات لمشاريع غير مجدية، أرهقت الناس وأتعبتهم في أوقاتهم وأرزاقهم يومياً. فالحاجة ملحة لإعادة رسم خطة للنقل، متكاملة على المستوى الوطني العام، مع معرفة مناطق الضغط والإكتظاظ السكاني، ووضع برنامج خطة، توقّف كل أنواع الصرف في مجال الطرقات والنقل، لتوفير كل الإمكانيات اللازمة لتحقيق نقل سليم، وتحديد مستوى التدخل الفردي عبر إستخدام السيارة، ضمن وضع تخطيط جديد لشبكة نقل حديثة، تعتمد الأطر العلمية الحديثة، دون أي تكاليف اضافية في الإستملاكات، مع إعادة وضع خطة لإعادة إحياء سكك الحديد».

هندسة النقل

{ كلمة أخيرة!!

- «ختاما، لا بد من توجيه نصيحة ثابتة لكل مسؤول وصاحب قرار، للقول بأن النقل عمل هندسي علمي بحت، لا يجب التدخل فيه، إلا أنه هو المكان الأكثر ضرورة للإستثمار الحقيقي، لبناء بلد متطور وحديث في مواصلاته، وهذا لن يتحقق إلا عبر تشكيل فريق متخصص، تُترك له كامل الحرية للقيام بكل المهمات ذات الصلة.

 وهنا أقصد أن يكون هناك إئتلاف منفصل، لكل من المخططين، الذين يضعون الرؤية الصحيحة، فريق المهمات الإستشارية، وفريق التدقيق الفني، وتكون كل الأفكارالتي تأخذ الحيز الكافي من النقاش العام، منصبة في إتجاه الخروج من التقليد الذي أخّر البلاد أكثر من قرن إلى الوراء».