بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 نيسان 2021 12:02ص من هو «المسحراتي»؟

زياد سامي عيتاني: يُفترض بـ «المسحراتي» أن تتوافر فيه شروط ومواصفات لا بد من أن يتمتع بها حتى يحظى بشرف تولّي أمر «التسحير»

المسحراتي في زمن الكورونا المسحراتي في زمن الكورونا
حجم الخط
بعد أن تناولنا المظاهر الإحتفالية بقدوم شهر رمضان المبارك، وسلّطنا الضوء على تاريخ الزينة الرمضانية، نتطرّق اليوم إلى أهم شخصية رافقت هذا الشهر الكريم، ألا وهي «المسحراتي» أو الطبّال، كما هو متعارف عليه.

من منا لم يستفق على صوت «المسحراتي» وهو ينادي:

«يا نايم وحّد الدايم، يا نايم وحّد الله...

قوموا على سحوركن، إجا رمضان يزوركن...

رمضان كريم... رحمن رحيم...

يا صايم... بتلقى السعادة، بتلقى النعيم...

رمضان كريم... رحمن رحيم..»..

من منّا لم تسحره هذه العبارات التي كان يرددها «المسحراتي» بصوته الجهوري الجميل في حارات وأزقة بيروت وهو ينقر على طبلته التي لا تفارقه، موقظاً الناس للسحور، ليعيدنا إلى ذلك الزمن الذي كنا نشعر فيه حقيقة بأجواء رمضان وأجوائه الساحرة؟..

لكن من هو «المسحراتي»؟..

عيتاني

لهذه الغاية تستكمل «اللواء» لقاءاتها مع الإعلامي والباحث في التراث الشعبي والعضو في «جمعية تراث بيروت» زياد عيتاني، كي يطلعنا على تاريخ «المسحراتي»، فكان الحوار الآتي:



ظاهرة رمضانية

{ من هو «المسحراتي»؟

- «المسحراتي» ظاهرة رمضانية قديمة، وتقليد تراثي عريق بين العصور والأجيال منذ زمن بعيد، إرتبط بشكل وثيق بشهر رمضان المبارك وصار ملازماً له.

فبمجرد ذكر رمضان، على الفور يجول في الأذهان «المسحراتي»، خصوصاً وأن طبلة «المسحراتي» لها إيقاع خاص في ذاكرة المعمّرين، لأنه يعيدهم إلى أيام خلت عندما كانوا يتسحّرون على أنغام طبلته وصوته الشجي.

«المسحراتي» ورمضان

{ كيف ارتبطت مهنة «المسحراتي» بشهر رمضان؟

- ارتبطت مهنة «المسحراتي» بالصيام في شهر رمضان، منذ أن كان الصحابي الجليل بلال بن رباح، أول مؤذن في الإسلام، وابن أم مكتوم، يقومان بمهمة إيقاظ المسلمين للسحور، فكان بلال يطلق صوته بالآذان، فيبدأ المسلمون في تناول السحور، ومع إقتراب الفجر، يتولّى ابن أم مكتوم النداء مرة أخرى، ليعلن الناس بالإمساك.

ومع تطوّر الدولة الإسلامية وإتساع رقعتها، إستخدم أهل الدول العربية، من العرب والموالي، وسائل متعددة لإيقاظ الناس للسحور، فكان أهل بلاد اليمن والمغرب العربي، يدقون الأبواب، وفي الشام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون علي العيدان والطنابير، وينشدون أناشيد خاصة برمضان، وفي مصر إستخدموا الطبلة لأول مرة، لإيقاظ الصائمين.

جزء أساسي من تراث رمضان الشعبي

{ كيف تقبّلت بيروت هذه المهنة؟

- تأثّرت بيروت وتفاعلت خلال الحقبة الماضية وفي عصرنا الحاضر بظاهرة «المسحراتي»، الذي صار مع مرور الزمن يشكّل جزءاً أساسياً من تراث رمضان الشعبي وتقليداً ملازماً له.


«المسحر» في بيروت القديمة كان يعرف كل سكان الحي

فما أن يهلّ هلال رمضان حتى يتطوّع أحد أبناء المحلة بأخذ المبادرة للقيام بمهمة «المسحراتي»، بعدما يكون ارتدى زيّاً خاصاً، فيجول في الشوارع ليلاً ضارباً على طبلته بقضيب من «الخيزران» ومرسلاً صوته الشجي بأناشيد دينية ومناداته للناس بأسمائهم ودعوتهم لتناول طعام السحور.

فقبل الإمساك بحوالي ساعتين، يبدأ «المسحراتي» جولته الليلة في الأحياء الشعبية، ينادي علي الأهالي بأسمائهم، وينتظره الأطفال في النوافذ، ويقذفون له الحلوى، لينادي عليهم بالإسم.

فرقة «مسحراتية»

{ هل صحيح أن هناك فرقة من» المسحراتية»؟

- صحيح، فقد جرت العادة قديماً في كثير من أحياء بيروت أن تجول جوقة من «المسحراتية»، هي عبارة عن مجموعة من المنشدين ينشدون أشعار التسحير على أنغام الرق والمزاهر، فتخرق أصواتهم سكون الليل لتُسمع مناجاتهم في كل الأرجاء.

شروط ومواصفات

{ هل كان هناك من مواصفات محددة لـ «المسحراتي»؟

- بالتأكيد، فقد كان يُفترض بـ «المسحراتي» أن تتوافر فيه شروط ومواصفات لا بد من أن يتمتع بها حتى يحظى بشرف تولّي أمر التسحير.

يجب أن يكون ذا ثقة عند الناس وحسن السمعة وأن يتمتع بصوت جميل وأن يجيد الإنشاد وشعر التسحير وأن يعرف كل سكان المحلة التي يجول فيها.

ومن المعروف أنه لم يكن يتولّى أمر التسحير إلا من يجد في صوته رقّة تجعل إنشاده محبباً وبيانه حسناً وإشارته لطيفة.

وكان «المسحر» في بيروت القديمة يعرف كل سكان الحي، لذلك فأنه في جولاته بطبلته كان ينادي كل صاحب دار بإسمه أو بكنيته «يا أبا فلان» فإذا أجابه قال له: وحّد الله.

كذلك، جرت العادة قديماً وفي الأسبوع الأخير من شهر شعبان، عندما يتطوع أحد أبناء المحلة بأخذ المبادرة للقيام بمهمة «المسحراتي»، أن يطوف على البيوت والمنازل ليكتب أسماء من إستجد من الأطفال والسكان، حتى يذكر أسماءهم ويدعوهم للسحور، عندما يبدأ شهر رمضان.

أجر «المسحراتي»

{ ماذا عن أجره؟

- لم يكن «المسحراتي» خلال الشهر الكريم، يتقاضى أجراً، بل كان ينتظر حتى أول أيام العيد فيمرُّ بالمنازل منزلاً منزلاً ومعه طبلته المعهودة، فيوالي الضرب على طبلته، فيهب له الناس المال والهدايا والحلويات، ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد السعيد.

تقاليد «التسحير»

{ هل من تقاليد معينة لـ «التسحير»؟

- من تقاليد التسحير أن لكل «مسحراتي» منطقة نفوذ لا يتخطّاها زميله في هذه المهنة المؤقتة، لأنه سوف يحصل من أبناء المنطقة على أجر تسحيره.

وقديماً كانت تحدث مشاجرات بين «مسحراتي» وآخر يتعدّى على منطقة نفوذ زميله، فيقال في المثل: «إنت لح تطبل في المطبل؟!»، أي أن هذه المنطقة تم التطبيل وتسحير الناس فيها فلا داعي لإعادة التطبيل.

وتجدر الإشارة، إلى أن بعض «المسحراتيين» كانوا يبتدعون أسلوباً خاصاً بهم، حيث كانوا يرددون أغاني تحمل معها الطرافة والفكاهة للتودد من الناس، للفت الأنظار والتميّز عن غيرهم من المسحراتيين، فكانوا ينظمون قصصاً فكاهية مغنّاة، تدور حول مواقف ساخرة تعبّر عن إدراك لمشاكل إجتماعية معينة.

فينقل مثلا عن أحد «المسحراتية» في مصر أغنية حوارية كان يرددها في ليالي رمضان ويقول فيها:

«يا ست هدية يا وش الهنا

بدعيلك تتهنّي ويسعدك ربنا

ليه بس دايماً كل ما آجي هنا

ما سمعش منك غير كتر الكلام

واقف على باب بيتكم شايف

صينية محشية بالجوز والحمام

ومن بعيد شامم ريحة ملوخية

قولي على عقلي يا واد السلام»...

النساء و«التسحير»

{ ختاما، هل صحيح أن النساء تطوعت لتسحير الصائمين؟

- إحدى النوادر الطريفة، في سياق الحديث عن «المسحراتي»، أشارت إلى أن التسحير لم يقتصر على الرجال فقط، إذ تطوّعت بعض النساء لتسحير الصائمين.