بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 آب 2019 12:16ص هولنديون بالتبنّي يبحثون عن أصولهم اللبنانية

زينة علوش زينة علوش
حجم الخط
افتتحت جمعية «بدائل»، بالتعاون مع جمعية «أبناء الأرز»، ورشة نقاش، طُرِحَ فيها لأوّل مرّة، الحديث عن وجود 400 هولندي بالتبنّي، يحاولون التعرف على آبائهم وأمهاتهم البيولوجيين في لبنان، كل هذا حصل بحضور أشخاص من لبنان، غادروا هذا الوطن بالتبنّي، وأصبحوا في منتصف العمر وخريفه، ولم يعرفوا عائلاتهم الأصلية، ومنهم رئيس جمعية «أبناء الأرز» دافيد جان بان، الذي قال: «أنا غريب عن جو العائلة التي تبنّتني، ولا أرى نفسي فيها».
في المقابل قالت كريستا فيسر: «أنا لبنانية الولادة، هولندية الجنسية بالتبنّي، سمراء اللون، لا أشبه والديّ بالتبنّي بشعرهما الأشقر وبعينيهما الملونتين»، وانطلاقا من ذلك، كان لا بد من تسليط الضوء على هذا الملف الإنساني.

علوش

 «اللواء» التقت رئيسة جمعية «بدائل» زينة علوش، لمعرفة المزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع، فقالت: «هناك 400 حالة تبنٍّ من لبنان إلى هولندا، جرت خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية، خاصة أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، إلا أن العدد المشار اليه، يبقى أقل من العدد الحقيقي. لذلك، ما زلنا نعمل على تجميع الوثائق، في قاعدة بيانات عملت عليها الجمعية، منذ العام 2014.

 صندوق المعلومات يضم الى اليوم 3471 حالة تبنِّ من لبنان، تم توثيقها وأرشفتها. وتجدر الإشارة إلى أنّ العدد الأكبر جرى تبنّيه خلال الحرب الأهلية اللبنانية، إلا أنّ هناك بعض الحالات، التي تشير إلى حدوث تبنٍّ مماثل، في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وحالات أخرى حصلت بعد انتهاء الحرب اللبنانية، ولقد وثّقنا حالات في بداية التسعينيات، وحتى العام 1996، ويُقدّر عدد المتبنين من لبنان، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، بـ 10 آلاف، وهذا الرقم هو أدنى بكثير من الرقم الفعلي، كما أنّ غالبية هذه الحالات حصلت في فرنسا، تليها هولندا، الدانمارك، الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة الى بعض الحالات في البلدان العربية، كسوريا، والجزائر وسواها.

هنا لا بد من أنْ أشير إلى أن حالات التبنّي كانت تصاعدية، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وما زالت قائمة ومستمرة للآن، وإنْ بوتيرة أقل مما كانت عليه في المرحلة السابقة، وما نعاني منه هو غياب أي قانون مدني، يرعى عملية الفصل، وينظّم عملية التبني بما يتماشى مع مصلحة الطفل الفضلى».

عملية التزوير؟

وعن عملية التزوير المخيفة التي جرت في ملفات الطفل عند التبنّي، قالت: «عملية التزوير المخيفة، التي جرت على ملفات الطفل عند التبنّي، وإخفاء أي أثر للأم، والتجاوب المتفاوت للأطراف المعنية بعمليات التبنّي، على مستوى فتح الملفات، فإنّ اقتفاء أثر الأم الوالدة، يصبح شديد الصعوبة، ويلعب فحص DNA دوراً كبيراً في تسريع عمليات البحث، لكن يبقى الحق بالمعرفة، مكرّساً بحسب المعاهدات الدولية.

 وفي المفهوم السائد، فإنّ التبنّي عبر البلاد، هو عمل جيد، ويمنح الطفل اليتيم أو مجهول الوالدين، فرصة حياة أفضل، لكن الواقع يشير إلى أنّ العدد الأكبر من هؤلاء الأطفال، ليسوا فقط بأيتام، وهم في معظم الأحيان، يُفصلون عن رعاية أم منفردة، تجد نفسها في حمل غير مرغوب فيه، وحينها تقع الأم الحامل، فريسة ضغوطات اجتماعية ونفسية، تجبرها على التخلّي عن طفلها للتبنّي، عوضا عن أنْ تتمكّن من اتخاذ قرار محمي، في ما يتعلق بمصير الطفل.

من ناحية الخبرة الدولية، فإنّ المبادئ التوجيهية للرعاية البديلة، تؤكد على الوقاية من التخلّي كحل أفضل، على أن تكون البدائل، عند الفصل محلية، تتيح إيداع الطفل في كنف العائلة الممتدة، أو عائلة بديلة تحت إشراف الدولة، وذلك لتفادي مخاطر الفصل وأثره على تكوين الهوية، والحس بالإنتماء والتعرض للعنصرية.

إصلاح نظام الرعاية

وانطلاقا من ذلك، المطلوب إصلاح نظام الرعاية في لبنان، من خلال إصدار قانون يرعى عملية الفصل بين الطفل والعائلة، كملاذ أخير، لأنّ الحل الآخر، هو دعم الطفل من خلال أسرته، ولاسيما الأسرة التي ترعاه.

وما نراه فإنّ الأم بالتخلّي عن ولدها، تبقى الحلقة الأضعف، فهل يُعقل أنْ يتحوّل الدعم الذي تتلقاه المؤسّسات الرعائية، لتسهيل عملية التبنّي، عبر البلدان الأجنبية والعربية، فيستقر الطفل في عائلة جديدة، تؤمن مستقبل أفضل في كنفها، بينما الحاجة مُلحّة لإصلاح قطاع الرعاية البديلة في العديد من الدول، وتحديد صياغة واضحة للمعايير الدولية، في مجال الرعاية البديلة. تجدر الإشارة إلى أنّ التقارير الدولية تبيّن ضرورة إصلاح النظام الرعائي في لبنان، الذي كان يشهد عودة العديد من الأشخاص، الذي تم تبنيهم إلى الخارج للبحث عن جذورهم، لكونهم انفصلوا قصرياً عن رعاية أهلهم البيولوجيين، والحق بالجذور مفهوم يرمي الى لفت النظر، إلى إنتهاك حقوق آلاف الأطفال في لبنان، وتحديداً إنتهاك حقوق الأطفال المتبنين، في التعرّف إلى جذورهم، التي سلخوا عنها، من دون أي مبرّر موضوعي، ليوضعوا في مؤسّسات رعائية، أو في مياتم في لبنان، التي فيها 28 الف طفل، وهناك حوالى 10 آلاف طفل، فُصِلوا عن الحضن العائلي، من خلال تبنٍّ غير شرعي، وهو عمل غالباً ما يقارب الإتجار بالأطفال، فنكون نتحدّث عن 38 ألف طفل، انفصلوا عن رعاية أهلهم البيولوجيين بطريقة قسرية.

وعليه، فإنّ الحاجة ضرورية لوضع كل البدائل، للعمل على إصلاح نظام الرعاية البديلة بلبنان، بما يتضمّن ذلك التبنّي، والعمل على المناداة بالحق بالمعرفة، للأشخاص الذين عادوا الى لبنان للبحث عن جذورهم. والحقيقة أنه بالرغم من توثيق حالات التبني من لبنان، اكتشفنا الكثير من الوثائق المتلاعب بها، مما يحول دون إمكانية لقاء الأم أو الأب.

الحق بالجذور

في الختام، لا بد من أنْ ألفت إلى أنه قبل 5 أعوام، أُقيمت ورشة عمل تحت عنوان «الحق بالجذور»، وبوجود 15 شخصاً جرى تبنيهم من لبنان، وكانت هذه سابقة لأوّل مرّة تحدث في هذا الوطن، لناحية طرح الموضوع مع أصحاب حالات التبنّي مباشرة، وعليه نطالب بإصلاح قطاع الرعاية البديلة في لبنان، عبر قانون مدني، يرعي عملية الفصل وينظم البدائل.

هذه ضرورة ملحة جداً، من أجل مواكبة الطلبات الدولية لإصلاح هذا القطاع، فهل يعقل غياب المعايير الواضحة للرعاية البديلة، والإجراءات التي ترعى عملية الفصل، فيتحوّل هؤلاء الأشخاص إلى ضحايا للنظام الرعائي، القائم في لبنان، والذي يفتقر الى مقومات أساسية، من الناحية القانونية، ومن ناحية العمل الإجتماعي.