استذكر محبّو الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومَنْ عايشه زعيماً ورئيساً في يوم مولده، كل إنجازاته التي تخطّت الحلم، حيث امتد بعلاقاته وإنجازاته على القارات الخمس، إلا أنّه بقي متواضعاً ومردّداً «لا احد اكبر من بلده»، وعبّروا عن حاجة الوطن إليه في هذه المرحلة الدقيقة لينقذنا من الاحباط السني، وهو الذي افتدى بدمائه الاحباط المسيحي.
ذكريات وتمنيات كثيرة أُطلقت في احتفال جامعة رفيق الحريري بيوم المؤسِّس الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي يتزامن مع ذكرى ميلاده في الأول من تشرين الثاني، برعاية رئيسة مجلس أمنائها رئيسة مؤسسة رفيق الحريري السيدة نازك رفيق الحريري، ممثلة بالسيدة هدى طبارة، وحلّ رئيس تحرير جريدة «اللواء» الزميل صلاح سلام خطيباً على حفل هذا العام.
تقدّم حضور الاحتفال الذي أُقيم في حرم الجامعة بالمشرف: ممثل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة، النائبان بهية الحريري وسمير الجسر، الوزير السابق الدكتور عدنان مروة، شفيق الحريري، مستشارا الرئيس الحريري «الدكتور داود الصايغ والمهندس فادي فواز»، مديرعام مؤسّسة رفيق الحريري سلوى السنيورة بعاصيري، المدير العام السابق للمؤسّسة مصطفى الزعتري، وجمع من الشخصيات والمدعوين.
وكان في استقبالهم رئيس الجامعة الدكتور أحمد صميلي ونائبه الدكتور هشام قبرصلي وحشد من اداريي واساتذة وطلاب الجامعة.
صميلي
بعد النشيد الوطني اللبناني والوقوف دقيقة صمت تحية لروح الرئيس الشهيد رفيق الحريري تحدث رئيس الجامعة الدكتور أحمد صميلي فقال: نحتفل كل سنة في ذكرى المؤسِّس كي لا ننسى ولننفض عن ذاكرتنا ووجداننا غباراً من تراكمات سنة خلت لتبقى صورة من اختار طريق الخير حاضرة، كما هي .. ولنرمّم ما أصاب الذاكرة من أنداب ما خلفته نبال من امتهن تشويه الحقيقة... ولنؤكد أنّ الحبة نمت وأصبحت سنبلة .. وأنّ السنبلة ستنمو بمشيئة الله لتصبح سبع سنابل.. نحتفل لأنه من واجبنا ألا ننسى من حمل وكافح من أجل سلام في أرض سئمت من ان تروى بدماء شباب اغرته الوعود العبثية وجنات خلد لا يملك مفاتحها بشر... من حمل مشروع وطن حلم ان يكون اساسه الإنسان كقيمة مادية ومعنوية وفكرية وليبني انسانه جسر عبور من ماض اشبع بالشعارات الكاذبة الى مستقبل الاحتمالات الواعدة. نحتفل كي لا ننسى من ضحى بماله وحياته ليبقى لبنان مثلا ورسالة لعالم يتخبط بانقسامات وحروب عبثية لأجل مادة رخيصة اوانتصار لتاريخ مشبوه أو لقتل ابناء اليوم ثارا لجرائم الأمس.. وحاضرة معنا في هذا اللقاء ولو عن بعد من كانت رفيقة درب الشهيد من عاشت احلامه وهواجسه بعيدا عن اعين المتطفلين..
نازك الحريري
وجرى بث تسجيل صوتي للكلمة التي وجّهتها راعية الحفل السيدة نازك رفيق الحريري في ذكرى ميلاده وجاء فيها: تعود ذكرى ولادة الرئيس الشهيد رفيق الحريري لتجمعنا، ولتعيد إلينا زمناً مشرقاً من الماضي الذي ما زال حياً في البال والقلب. تتزامن هذه الذكرى مع مناسبةٍ غاليةٍ على قلوبنا جميعاً هي يوم المؤسس الذي تحتفل فيه جامعة رفيق الحريري للمرة الثالثة. رفيق العمر والدرب، قد طوينا عاماً جديداً من التحدّيات ومن الانتصارات الممزوجة بالأحزان. وسطّر شهداء الجيش الأبطال بالتضحيات إنتصاراً وطنياً بامتياز، من أجل بناء الوطن الحلم الذي عشقته فوهبته عمرك حتّى الشهادة، ليبقى لبنان سيّداً حراً مستقلاً زاهراً. ونحن جميعاً مدعوّون لنقف اليوم موحّدين للدفاع عن هذا الإنجاز وعن حلمنا وحلم شهيد الوطن الكبير. إنّ ثمرة الانتصار لا تلغي، أيّها الأحبّة، التحدّيات التي ما زالت أمامنا. وهي تفترض التزامنا جميعاً بالحدّ الأدنى من المسؤوليات الوطنيّة التي تبدأ بمواصلة مسيرة النهوض والإنماء المتوازن التي أطلقها الرئيس الشهيد رفيق الحريري مع الأطياف جميعاً في لبنان، ليتمكّن شعبنا من التمسّك بأرضنا وبوحدتنا ومسيرتنا الوطنيّة بعيداً عن التجاذبات والإصطفافات السياسية حفاظًا على الأمن والإستقرار لبلدنا الحبيب لبنان. هذا وعدنا وعهدنا لك يا شهيدنا الغالي. وفي الختام، إسمحوا لي أن أترك الكلام للرئيس المؤسس ولرؤيته المتفائلة: إنني أنظر إلى المستقبل بكل ثقة وأرى أن البلد يتقدّم إلى الأمام، وإن كان ببطء، في بداية هذه المرحلة، وأحياناً بصعوبة، ولكن عجلة التقدّم تندفع إلى الأمام وستزداد وتيرتها في المستقبل بإذن الله. إن إرادتنا مجتمعين ستكون كفيلة بمواجهة كل الصعوبات.
{ بعد ذلك، قدّم صميلي خطيب الحفل فقال: «معنا اليوم اعلامي تابع مسيرة رفيق الحريري.. وشاهد على عصر وطن وصل اليه رفيق الحريري ممزقا.. وغفا عنه اساسا لوطن واعد... اعلامي يلتزم الرصانة ويجسد الاعلام الهادف.. يشغل منصب رئيس تحرير جريدة اسست على مبادئ المصداقية والنزاهة واحترام حرية التعبير والرأي والعمل على تصوير الواقع كما هو دون استنسابية او استزلام.. حكيم في مقاربته للأحداث.. شجاع في التعبيرعن رأيه دون غلو او انتقاص من قيمة الراي الآخر.. يحلل الأحداث ولاعبيها بجدية العالم وبتواضع الناسك».
وأضاف: «إنّه رئيس تحرير جريدة اللواء اليومية وعضو سابق في نقابة الصحافة اللبنانية.. شارك في عدّة مؤتمرات قمّة عربية وإسلامية وخليجية فضلاً عن مشاركته في عشرات الحوارات التلفزيونية والإذاعية. أعدّ مجموعة أبحاث ومحاضرات عن شؤون سياسية وقضايا إعلامية. ساهم بإعداد مشاريع الحوار اللبناني - اللبناني إبان الحرب الأهلية. أجرى مجموعة حوارات ومقابلات مع العديد من الملوك والرؤساء العرب. وحضر العديد من المؤتمرات الإعلامية العربية والدولية. من أبرز مؤلفاته مجموعة 10 سنوات من الآمال والإعتدال وكتاب نون.. رحّبوا معي بخطيب الاحتفال الأستاذ صلاح سلام».
سلام
ثم تحدّث خطيب الحفل صلاح سلام فرأى أنّ «الحديث عن الرئيس رفيق الحريري هو استحضار لمرحلة عشناها بكثير من الفخر والاعتزاز، وعندما نتكلم عن أيام المجد والانجاز والازدهار، تعتصر قلوبنا ألماً وحسرة على ما وصلنا إليه من تخبط وضيقة وضياع هذه الأيام».
وقال: نحن الذين عايشنا مسيرة الرجل الذي وصل إلى قمّة الزعامة بسرعة البصر، لم نكن ندرك أننا نعيش حلماً جميلاً وباهراً، لن يدوم طويلاً، لأن أيدي الشر والاجرام ستخطفه من قبل طلوع الفجر. غاب رفيق الحريري بتفجير غادر، وغابت الشمس عن بيروت ووطن الأحلام والطموح، بكسوف ما زال ظلامه يلف البلاد والعباد. كان يتصرف وكأنه في سباق دائم مع قدره. كان يبدو دائماً على عجلة من أمره. ولم نكن ندرك انه كان يستعجل إنجاز المشاريع الكبرى، من المطار إلى المرفأ، ومن المستشفيات إلى الأوتوسترادات، حتى يطمئن على البلد الذي استودع الله في شعبه الطيب».
وأضاف: «عندما أطلق مبادرة تعليم الشباب في أرقى جامعات العالم في أواسط الثمانينات، وعندما كانت المعارك العبثية على أشدها، خُيّل لكثيرين ان المسألة دعائية ولن يتجاوز تعداد المبعوثين العشرات. ولكن سرعان ما تبين أن تصميم الرئيس الشهيد على إنجاح هذه المبادرة فاق كل التوقعات، وصل تعداد المستفيدين من المنح الجامعية حوالى 33 ألفاً، الذين شكلوا جيشاً من أصحاب العلم والاختصاص ساهموا في ورشة إعادة إعمار لبنان بعد انتهاء الحرب».
ورأى سلام أنّ «إنشاء هذه الجامعة المتميزة، والاهتمام بإنشاء المدارس النموذجية، ودعم العديد من المؤسسات التربوية، كلها خطوات كانت تترجم عمق إيمان الرئيس الشهيد بأهمية العلم في تقدّم الأمم وتطور الأوطان! في هذا اليوم الأغر، الاول من تشرين الثاني، الذي يُحتفل فيه بعيد جميع القديسين، هو يوم مولد الرئيس رفيق الحريري، الذي نفتقده كل يوم اكثر من يوم، ونستشعر مدى حاجة الوطن له في هذه المرحلة الصعبة، للخروج من حالة التخبط والضياع التي تهدد ما تبقى من إستقرار. نفتقد رفيق الحريري لانه اول من اطلق عملية الاستقرار النقدي، وربطها بالاستقرار الاجتماعي، فكان ان أوقف الانزلاق الى مهاوي التضخم، وتحسنت الليرة اللبنانية وانخفض سعر الدولار من ٢٨٠٠ الى ١٥٠٠ ليرة».
وتوقف سلام عند بعض المحطات الهامة في مسيرة الرئيس الشهيد انطلاقا من مواكبته له خلالها فقال: «لن أتكلم عن رفيق الحريري السياسي، لأنه كان ممنوعاً عليه ان يمارس دوره السياسي الوطني على مستوى الوطن. كنت واحدا من الذين عايشوا مسيرة رفيق الحريري في إعادة إعمار البلد، ببعض تفاصيلها، بآمالها وآلامها، وبأيام الشدة كما في ساعات الفرج. وسأحاول تلخيص بعض المشاهد والعبر التي عشت أحداثها، وشاهدت نتائجها الباهرة على أرض الواقع: عندما تقلد رئاسة الحكومة لأول مرة أواخر عام ١٩٩٢، اخترعوا معادلة هجينة لا وجود لها في الأنظمة السياسية. قالوا: لنا الأمن، وعليك بالاقتصاد وإعادة الإعمار! وعندما بدأت تظهر بوادر نجاحه السريعة، وتجليه في علاقاته الدولية، التي جلبت للبنان المساعدات والتسهيلات المالية بالمليارات، لجأوا الى سياسة التعطيل المتعمد، ولو على حساب مصالح البلاد والعباد، وكان الهدف الحقيقي من التعطيل، تحميله مسؤولية فشل خطة الإعمار والنهوض الاقتصادي، وبالتالي اغتياله سياسياً، عبر إحراجه وإخراجه من السراي. وكانت مجموعة صغيرة حوله تتوجس من أن تكون محاولات الاغتيال السياسي بمثابة تمهيد للاغتيال الشخصي. خُيّل للحاقدين والمتآمرين على رفيق الحريري، ان تفجير موكبه وتصفيته جسدياً سيتيح فرصة التخلص من قوته المتنامية، رغم كل الضغوط والعراقيل، بقدر ما تكون أيضاً نهاية لشخصية قيادية استثنائية، شكلت الكثير من القلق والإرباك لخصومها».
وأضاف: «الرئيس الشهيد تحت التراب، كان أقوى من الزعيم فوق الارض، سواء في السراي أو في قصره بقريطم.. وهنا كانت الطامة الكبرى على خصومه وعلى المخططين لجريمة العصر، وذلك للاعتبارات التالية :
1- رفيق الحريري الشهيد حقق اول مصالحة وطنية حقيقية بين اللبنانيين، تجلت بأروع صورها في التظاهرة المليونية في ساحة الشهداء، وولادة جبهة ١٤ آذار التي ضمت معظم القيادات الاولى الإسلامية والمسيحية في البلد.
2- دماء رفيق الحريري الشهيد حققت الاستقلال الثاني للبنان، عبر إخراج الجيش السوري، وتسلم القوى السيادية مقاليد السلطة.
3- استشهاد رفيق الحريري أعاد التوازن إلى المعادلة الوطنية، من خلال عودة القيادات المسيحية الى ساحة العمل السياسي، بعد سنوات مضنية، قضاها العماد ميشال عون في المنفى، والدكتور سمير جعجع في السجن .
وبذلك يكون الشهيد الكبير افتدى بدمائه الإحباط المسيحي الذي ساد في سنوات ما بعد الحرب وحتى عشية استشهاده في الرابع من شباط 2005 وكم نحن اليوم بحاجة اليوم الى وجوده لينقذنا من الاحباط السني الذي كثر الحديث عليه في الآونة الأخيرة».
وخلص سلام إلى القول: «الكلام عن رفيق الحريري ليس حديث ساعة بل هو سيرة وطن في رجل امتد حجمه على القارات الخمس ومع ذلك بقي على تواضعه مرددا دائما: لا احد اكبر من بلده».
بعد ذلك قدّمت ممثلة السيدة نازك الحريري طبارة وبعاصيري بمشاركة صميلي درعا تكريمية إلى سلام تقديرا لمشاركته في احياء المناسبة هذا العام.