أكدت وثيقة المؤتمر المسيحي العربي الذي سيعقد قريباً في باريس على ما يعتور المسيحيين العرب من قلق وجودي جرّاء العنف الارهابي المتفلت، مشيرة إلى ان النظام السوري مسؤول مباشرة عن استخدام العنف الابادي، إلى جانب التنظيمات الإرهابية، إلا أنها أكدت ان الإرهاب ظاهرة مصنوعة في معظم قواتها وموظفة سياسياً في أجندات متباينة، وليس نتاجاً طبيعياً لواقع التعدد الديني والاثني، كما انه قبل ذلك وبعدها ليس من طبيعة ديانة الأكثرية المسلمة في هذه المنطقة.
وكان زار باريس مؤخراً وفد من لقاء «سيدة الجبل» ضم النائب السابق الدكتور فارس سعيد وبيار عقل والتقى شخصيات سورية مسيحية معارضة هم: جورج صبرا، ميشال كيلو، ناصر سابا، سميرة مبيّض ونادر جبلي، تناقش خلاله المجتمعون اوراقاً سياسية، واتفقوا على متابعة الاتصالات مع شخصيات عربيّة من العراق والاردن وفلسطين ومصر مناهضة لتحالف الأقليات.
ويأتي هذا العمل مكملاّ لعمل هيئة تحضيرية لبنانية تضم: الدكتور رضوان السيّد، انطوان الخوري طوق، خليل طوبيا، سعد كيوان، ايلي الحاج، سام منسّى وغيرهم.
وفي ما يأتي النص المقترح لوثيقة المؤتمر المسيحي العربي:
أولاً- ينتاب المسيحيين العرب، أو المسيحيين في البلدان العربية، قلقٌ وجوديٌّ منذ سنوات، جرّاءَ ما تشهدُه المنطقة العربية من عنفٍ إرهابي منفلت، انخرطت فيه قوى محلية في عدد من البلدان، وساهمت في تأجيجه وتوجيهه قوى إقليمية ودولية ذات أجندات متباينة ومتزاحمة. هذا فيما بات مصير المنطقة معلّقاً على إرادات القوى الكبرى المتزاحمة، وفيما لا تلوح في الأفق المنظور تسوياتٌ متوازنة ومقبولة، خصوصاً مع الحضور الخجول لأجندةٍ عربية موحّدة ومعبّرة عن نظام المصلحة العربية المشتركة، في معادلة صراع الإرادات وأنظمة المصالح.
ثانياً- لا جدالَ في مشروعية هذا القلق؛ إذ استهدف ذلك العنفُ مسيحيين بصفتهم هذه، وبوصفهم أقليّةً دينية في بلدانهم، وعلى يد مجموعات متطرّفة ادّعت الاسلام وإجراءَ شريعته، فيما أدانت كلّ المرجعيات الإسلامية المعتبرة هذا الزعم الباطل. وفي هذا السياق لم تسلم أقلياتٌ دينية وعرقية وإثنية غير مسيحية، مثل الأيزيديين والصابئة والأكراد وغيرهم. ولكن لا جدالَ أيضاً في أنّ ذلك العنف قد طاول بصورةٍ عامة وأساسية الأكثرية السنّية العربية في المنطقة، كما هدّد وجودَ الدولة الوطنية في بعض البلدان، مثل سوريا والعراق. وفي هذا الجانب الأخير من الصورة، دخل «العنفُ المتشيِّع»، من خلال الأذرع الايرانية العاملة بقوة في بعض البلدان العربية، تحت يافطة «المقاومات ضدّ أميركا وإسرائيل ومَن والاهما من العرب» بحسب الأطروحة الايرانية المعلَنة.
ثالثاً- إلى ذلك تشدّد الهيئة التحضيرية للمؤتمر المسيحي العتيد على مسؤولية النظام السوري عن المباشرة في استخدام العنف الإباديّ ضد الحركة الشعبية السلمية في سوريا منذ أواخر العام 2011، وعلى مسؤوليته مع النظام العراقي عن اطلاق الدفعات الأولى التأسيسية من تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي تحوّل بسرعة قياسية إلى فزّاعةٍ في المنطقة، وفي ما يلي حدودَها، تنتشر وتنحسر وفقَ احتياجات القوى الإقليمية والدولية، التي تُجمع شعاراتياً على محاربته، فيما يُجمع كثيرٌ من المراقبين والوقائع على وجود تعاونٍ بين هذا التنظيم وبعض محاربيه!... ومن خلاصات القول في هذه المسألة، أنّ إرهاب «داعش» ونظائره في المنطقة هو ظاهرةٌ مصنوعة في معظم قِوامها، وموظّفةٌ سياسياً في أجنداتٍ متباينة، وليس نتاجاً طبيعياً لواقع التعدّد الديني والإثني في منطقتنا العربية، كما أنه قبل ذلك وبعده ليس من طبيعة ديانة الأكثرية المسلمة في هذه المنطقة.
رابعاً- إن القلق المسيحي المشار إليه، على مشروعيته، لا ينبغي له أن يُزيغَ نظرة المسيحيين إلى معنى وجودهم في المنطقة العربية وفي أوطانهم. فهم جزءٌ أصيل من الاجتماع الإنساني في المنطقة، ومن الاجتماع الوطني في كل بلدٍ من بلدانهم، وهم بالتالي مسؤولون عن مستقبل الاجتماعين، بالشراكة مع سائر المكوّنات، مثلما كانوا من روّاد النهضة العربية الحديثة ومن أركان الدول الوطنية القائمة على السيادة والاستقلال عن الاحتلالات والوصايات الأجنبية. بعبارة أخرى، ليس المسيحيون أصحابَ مظلومية فحسب، جرّاء ما ينالهم من اعتداءات على يد التطرّف الذي لم يوفّر أحداً، بل هم أيضاً وخصوصاً أصحابُ خيارات تنسجم مع عقيدتهم في العيش معاً بسلام، متساوين ومختلفين، ومع هويتهم وانتمائهم على المستويين الوطني والعربي. إذ ليس في مسيحيّي المنطقة عاقلٌ يُنكر أنه اختار العيش في «وطنٍ نهائي لجميع أبنائه، عربي الهوية والانتماء».
خامساً- ما يحملنا على هذا الكلام، رغمَ كونه من قبيل توكيد المؤكّد، هو تلك البلبلة التي تسود أوساط المسيحيين، وتحمل بعضهم على المناداة بحمايات أجنبية، وعلى الدعوة إلى تحالف الأقليات الدينية في المنطقة بمواجهة الأكثرية العربية السنّية!! هذه الدعوة لا تعكس فقط خَطَلاً في الرأي، بل تنطوي على خطرٍ مُحدِق بالمسيحيين، خصوصاً مع وجود قوى كبرى في المنطقة والعالم تُغذّي هذه الدعوة، إن لم نَقُل إنها تقف وراءَها.. وفي هذا الصدد لم تعد العناوينُ والشّواخصُ والمرجعيات خافيةً على أحد.
سادساً- تؤكّد الهيئة التحضيرية للمؤتمر المسيحي العتيد أن هذه المسألة الخطيرة تقع في صُلبِ اهتمام المؤتمر، نقاشاً ومداولاتٍ وتفكُّراً وتبصُّراً، ليس فقط لتنفيذ خطاب الحمايات والأقليات، وإنما خصوصاً لإعادة الاعتبار إلى خيار الاندماج المسيحي في المنطقة، وتظهير معالمه الأساسية، الإيمانية المبدئية والمصلحية العملية. وعمليةُ التفكّر والتبصُّر والتدبُّر هذه لا تتمّ بمعزلٍ عن شركائنا المسلمين، الحاضرين معنا بقوةٍ وفاعلية، على قاعدة أننا «مسؤولون عن بعضنا بعضاً أمام الله والتاريخ»، كما جاء في الرسالة الأولى لبطاركة الشرق الكاثوليك، وكما أكّدت «وثيقة الأخوّة الانسانية» الصادرة عن لقاء قداسة البابا فرنسيس وسماحة شيخ الأزهر في أبو ظبي، ثم تابعتها على التوكيد ذاته وثيقتا الرباط ومكّة المكرمة.
سابعاً- أخيراً فإن الغاية من مؤتمرنا، فضلاً عمّا تقدّم، هي توثيق الحوار والتعاون بين النُّخب وقيادات الرأي العام، المهتمّة بما يكاد يصبح «مسألة مسيحية» في منطقتنا. وذلك بالتواصل أيضاً مع كل المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية المعنيّة بهذا الشأن، مساهمةً منّا في تعزيز شبكات الأمان لمجتمعاتنا، بمنأى عن أي اهتمام بخلق منابر سياسية.