تابعتُ ما كتبته أمس عن المصارف والعصا الغليظة، وتذكرت مِن حِكَم الشعوب وأساطيرها الروائية، قصّة ذلك الغيْلم الذي توقفت زوجته السلحفاة عن الطّعام حتى أصابها الهزال، وأخبرت زوجها أنها مريضة، وأقنعته بأنه لا سبيل لشفائها إلا بإحضار قلب قردٍ لتُداوى به. فكر الغيلم كثيرًا ولم يجد أمامه غير قلب صديقه القرد، فعزم على نزع قلبه عندما وجد حالة زوجته تشتدّ. دعاه إلى مسكنه على الجزيرة وحمله على ظهره وأخبره عن وضع زوجته فخاف القرد ولكنّه ظلّ متماسكًا لأنه لا يعرف السباحة، وفكّر في حيلةٍ تخلّصه من هذا المأزق، فقال له: «ليتك أخبرتني قبل أن تأتي، فنحن معشر القردة نترك قلوبنا في مساكننا، وأنا تركتُ قلبي معلّقاً بالشّجرة» فقال الغيلم «وما العمل الآن؟» فرد عليه القرد: «ردّني الى الشاطئ لأحضر قلبي ثم أرافقك». صدّق الغيلم كلام صديقه فحمله الى الشاطئ وما أن أوصله حتى قفز القرد وصعد على الشجرة ليخبر الغيلم أنه لن يرافقه وقال له : «لا تأمنّ حيلة قرد ولو كانت طريفة!».
ما جعلني أتذكّر هذه القصة، هو مرض الجشع الذي يحكم المصارف فلجأوا إلى أموال الناس للشفاء. أغروهم بالفوائد العالية والتسهيلات الفضلى مقابل ايداع أموالهم، فكان أن تسابق أصحاب التعويضات وذوو الدخل المحدود إلى وضع جنى عمرهم كله لدى المصارف على أمل تحسين المردود وزيادة الاطمئنان لتحقيق شيخوخة هانئة بعيدة عن القلق. ولم يمضِ وقت قصير على استقرار الأموال في صناديق المصارف حتى تبخرت الوعود العسلية بالمردود العالي، وأصبح جنى العمر حبيس صناديق المصارف التي اعتمدت معايير استنسابية في صرف «الخرجيات» الدورية، والتي وصل بعضها إلى خمسين دولاراً كل أسبوعين!
أما الودائع فقد استودعها المصرف في سندات الدولة التي ستعلن اليوم عدم قدرتها على سداد مستحقاتها!
وللأسف لم يعد من المفيد أن نقول لكل خائف على أمواله: «لا تأمن حيلة الدولة والمصرف ولو كانت مغلفة ومغرية بالفوائد العالية!».