جمعتنا الصدفة على مقعدين متجاورين في الطائرة. مسيحيّ في أواسط الستينات من عمره، هجّرته ظروف الحرب من بلدته بسوس في الجبل، فيمّم وجهه إلى بلاد الفرص والأحلام الولايات المتحدة الأميركية، حيث بدأت رحلة الطموح والعصامية من الصفر.
استطاع بجهده وعرق جبينه أن يحقق قصة نجاح، مثل كثير من الشباب الذين وجدوا في بلاد الانتشار ضالتهم، في بناء مستقبلهم وتأسيس عائلاتهم، بعيداً عن ظروف الحرب القاسية ومآسيها المفجعة.
بدأ مشواره في الولايات البعيدة: بنسلفانيا وأوهايو وألينوي. وبعد أربعة عقود من الزمن أصبح يملك ويدير عدداً من الشركات التي تستخدم أحدث التكنولوجيات في أعمالها، وامتدت أعماله لتصل إلى العاصمة الاتحادية واشنطن.
إحدى شركاته تملك معامل لحرق النفايات وتحويلها إلى طاقة كهربائية، وأخرى لصناعة سماعات الكترونية للأذن، بدأت في سويسرا ونقلها مؤخراً إلى تايلاند تخفيضاً لكلفة الإنتاج، وثالثة لتطوير الزراعة في الأماكن المقفلة، وإنتاج أجود أنواع الخضار بيولوجياً في المساحات المغلقة، بدءاً من كاراجات المنازل، وصولاً إلى المساحات الواسعة.
يتكلم والحسرة تغلّف كلماته: أنا ومثلي كثير من المغتربين نريد أن نساعد بلدنا لبنان، والمساهمة في تنشيط وتحديث اقتصاده، ولكننا نصطدم بهذه الحالة المزرية من الفساد، وبالقوانين المتخلفة التي تشكل عائقاً، أحياناً، للمستثمرين.
ويروي كيف أن أحد الوزراء طلب منه قبل عدة سنوات إعداد عرض لإنشاء معمل لتحويل النفايات إلى طاقة كهربائية، فكان أن قدّّم العرض، بعد فترة من التردّد، بشكل مدروس مستفيداً من تجارب شركته في أكثر من ولاية أميركية، وبعيداً عن حسابات الصفقات والسمسرات الرائجة في لبنان. وكانت النتيجة أن العرض نام في الأدراج، ولم يسمع من الوزير الذي كان ملحاحاً في البداية، أية كلمة!
ويعتبر أن الجولات والمؤتمرات التي نظمها وزير الخارجية قبيل الانتخابات، كانت أشبه بمهرجانات انتخابية، وزيارة رئيس الجمهورية إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة لم توفر الفرصة المناسبة للقاء كبار رجال الأعمال اللبنانيين، ودعوتهم لزيارة الوطن الأم والاستثمار في البنية التحتية، وتوفير الضمانات اللازمة لاعتماد معايير الشفافية والحوكمة، وحماية مشاريعهم من التسلط والفساد.
فكان أن أنشأ جمعية خيرية مع زوجته، التي تركها تجول في قرى الجنوب والبقاع وعكار، لتقديم المساعدات الممكنة للطلاب المعوزين، بغض النظر عن طوائفهم ومناطقهم، لتمكينهم من متابعة دراستهم، وفتح آفاق المستقبل أمامهم!
هي واحدة من الحكايات عن معاناة المغتربين المريرة، عندما يُفكّرون في مدّ يد العون لوطنهم الحبيب، ووفاءً للبلد الذي ما زال يحتل حيزاً كبيراً في قلوبهم!