ساحة الشهداء هي من كبرى ساحات العاصمة وقلب وسطها التجاري وهي تختزن الذاكرة التاريخية لأحداث مهمة من عمر لبنان وكانت على الدوام محط اهتمام الحكام، فالامير فخر الدين المعني الثاني حولها إلى حدائق فسميت «بساتين فخر الدين» ثم حولها أحمد باشا إلى برج مراقبة وثبت في الساحة مدفعاً، فسميت «بساحة المدفع»، وفي العام 1831م دخلتها قوات إبراهيم باشا فحولت الساحة إلى معسكر للجيوش المصرية وبنى فيها برجاً كاشفاً فسميت «ساحة البرج» لتكتسب عام 1916 اسمها المعروف ساحة الشهداء حين اعدم جمال باشا 14 لبنانياً وسورياً متهماً اياهم بمساعدة الأعداء وحين دخلها الفرنسيون أمر الجنرال غورو تسمية المكان «ساحة الشهداء» تخليداً لذكرى الشهداء، ثم تمّ بناء بداية نصب يمثل امرأة مسلمة وأخرى مسيحية يندبان نحته النحات يوسف الحويك ليتم هدمه تزامناً مع الاستقلال لأنه يرمز إلى العنف والذل لتشهد حقبة الخمسينيات ولادة التمثال الحالي على يد النحات مارينو مازاكور الذي يرمز إلى الحرية وتم تدشينه رسمياً عام 1960 برعاية الرئيس اللواء فؤاد شهاب.
هذا التاريخ العريق للساحة نهشته رصاصات المتحاربين خلال الحرب الاهلية عام 1975 لتتحول الساحة إلى خط تماس وليتحول محيطها إلى منطقة منكوبة منخورة بالرصاص والقذائف لتعود وتستعيد عزها بمجيء الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أعاد بناء الساحة والوسط التجاري لتستعيد بيروت ساحتها من جديد وللمفارقة أيضاً لتشهد استقلال لبنان الثاني بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حين ضمّت الحشود المليونية والتي تضم رفاته ورفات رفاقه قرب مسجد محمّد الأمين(ص).
ساحة الشهداء رغم تاريخها ومكانتها تعاني اليوم من الإهمال وتحولت إلى مواقف للسيارات وغزتها الأبنية الاسمنتية وقلصت مساحتها رغم وجود مشروع جاهز لإعادة النبض إلى ما تبقى منها وهو مشروع يتطلع البيارتة إلى تنفيذه للحفاظ على الساحة التي تختزن ذاكرة الوطن واحداثه والاهم ان المشروع يغيّرها من ساحة مواقف إلى ساحة حدائق لا سيّارات فيها بل فقط مشاة.
فالمجلس البلدي السابق لبلدية بيروت أقرّ وانجز دراسة مشروع حيوي لساحة الشهداء يتمثل بإنشاء مواقف تحت الساحة وتحت مستوى الأرض يتسع لحوالى 2000 سيّارة تعلوه حديقة من اجمل الحدائق يصممها أحد أهم المهندسين المعماريين في العالم زنزو بيانو وهذه المواقف تحت ساحة الشهداء تدخلها السيّارات وتخرج منها من مداخل ومخارج من جهة الصيفي ومنطقة بشارة الخوري بحيث تكون الحديقة فقط للمشاة.
.. واليوم تحوّلت إلى مرآب؟!
ورغم ان المجلس البلدي أنجز كل الدراسات وملفات التلزيم بالتعاون مع مجلس الإنماء والاعمار وشركة «خطيب وعلمي» وعقد عشرات الاجتماعات على مدار سنوات وأصبح الملف جاهزاً للتلزيم وعن طريق (B.O.T) أي ان البلدية لن تدفع قرشاً بدلاً للتنفيذ على المواقف وكذلك على الحديقة كون شركة السوليدير ستقوم بإنشائها فإن الملف وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات من عمر الجلس البلدي الحالي ما يزال يقبع في الادراج،حيث أكدت مصادر في مجلس الإنماء والاعمار لـ«اللواء» ان بلدية بيروت لا تحرك الملف وهو مجمّد ولا يلقى الاهتمام من المجلس البلدي الحالي رغم كل التكاليف والجهد الذي بذل من أجل إنجازه ورغم أهميته ومردوده وجماليته في إعادة تنظيم ساحة الشهداء وقلب وسط بيروت.
وتبقى الأسئلة بلا أجوبة ما الأسباب لإهمال إحياء وتجديد هذه الساحة؟ ولماذا يتم تجاهل هذا المشروع الحيوي؟ وهل المطلوب الهدف من هذا الإهمال دفن ذاكرة بيروت ولبنان ومعاقبة «ساحة الشهداء» ساحة الحرية؟ وأين المجلس البلدي وجدولة المشاريع والتي يجب ان يكون مشروع تأهيل ساحة الشهداء في أولها؟ أسئلة يأمل البيارتة خصوصاً واللبنانيون عموماً ان يلقوا أجوبة عليها قريباً..