ونحن على أبواب عام دراسي جديد أقول إلى كلّ طالب علم أن العلم نور وأن الجهل ضباب وظلام، ولا تكون الحياة حياة إلا به وقد قال الله تعالى: {أَوَمَن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها كذلك زُيّن للكافرين ما كانوا يعملون}.
وطالب العلم يسلك بطريقه إليه طريقا إلى الجنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فهو في دنيا ودين وعمل وعبادة، والملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وخفض أجنحة الملائكة يعني تكريم طالب العلم من علو عالٍ وسمو كريم، وطالب العلم يطلب أشرف ما يقضي فيه الوقت، الذي هو عمر الإنسان، والعمر نفيس وغالٍ، وعلينا ألا نضيّع النفيس إلا في نفيس.
نعلم جميعا أن أول ما نزل من الذكر الحكيم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم قوله – سبحانه -: «اقرأ» وهذا يدلُّ على شرف القراءة والعلم، ويبيّن أن العلم إنطلاق إلى كل مكرمة وفضيلة، وليس المراد من العلم العلم الديني فقط، وإنما كل علم نافع تتقدّم به الحياة، وتزداد به رفاهية ويسرا من الطب والهندسة والزراعة والكيمياء والرياضيات وغيرها.
يقول الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ومعناه أن العلماء أشدّ الناس خشية للّه عزّ وجلّ لأنهم بالعلم يقفون على حقائق في الكون تثبت عظمة الله وقدرته، ويقول تعالى: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} ويقول: {علمه شديد القوى}، ويقول {وكتبنا في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة} وهذا يعني أن تطلب العلم بقوة والقوة تعني قوة الرغبة وتعني الجد في الاستذكار. وهناك فرق بين أن تقرأ وأنت نائم مسترخٍ، وبين أن تقرأ وأنت في قمة نشاطك، والقوة تعني أن تكون في قمة نشاطك، وبالتالي لا تستجب للكسل في أول استذكارك بل ابدأ وتوكّل على الله وسوف تنهض وتنشط ويضيع الكسل مع هذا النشاط، وكلما فتحت كتابك تذكّر أنك في عبادة، كأنك في صلاة، وأن الله عنك راضٍ، واذكر اسم الله قبل أن تقرأ في كتابك فنحن نفتتح جميع أعمالنا ببسم الله حتى يبارك الله فيها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع» أي لا بركة فيه والعلم أهم الأمور المهمة.
وأيضا استثن حياتك من الكتاب ولا تستثن الكتاب من حياتك، أي اجعل الكتاب كل حياتك، واستأذنه لقضاء حاجة لك من طعام وشراب وغيرهما حتى تعود إليه سريعا، ولا تعش حياتك بالطول والعرض ثم تذكر كتابك بين الحين والحين، ولكي تستقر على كتابك مدة طويلة أحضر جميع أدواتك إلى جنبك حتى لا تقوم كل خمس دقائق لتحضر شيئا منها فلا تثبت الفكرة في ذهنك، وكلما كنت في هدوء كان التركيز أعلى، وهدوء النفس مقدّم على كل هدوء، ولن تهدأ نفسك إلاإذا آمنت برسالتك.
إن طلب العلم أنبل رسالة وأعظم مقصد من مقاصد الحياة فلا تقم عن كتابك إلا للضرورة وما دام الله تعالى قد شرح صدرك له فانتهز تلك الفرصة واستمر في استذكارك، واعلم أن هناك فرقا بين الاستذكار وبين عمل الواجب فالواجب شيء يسير ينتهي بأدائه، اما الاستذكار فلا ينتهي أبدا..
د. مبروك عطية