بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 كانون الأول 2019 12:04ص الإسلام واليوم العالمي للأطفال

حجم الخط
 د. يوسف جمعة سلامة*

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَآءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.

جاء في كتاب «صفوة التفاسير» للصابوني في تفسير الآيتين السابقتين: [{لِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} أي هو تعالى المالك للكون كلِّه، علويه وسفليّه، والمتصرف فيه بالخلق والإِيجاد، كيفما شاء، والمقصودُ من الآية أن لا يغترّ الإنسان بما مَلَكَهُ من المال والجاه، وأن يعلم أن الكلّ ملك الله وحده، وبيده مقاليد التصرف في السموات والأرض، يُعطي ويمنع، لا رَادَّ لقضائه ولا مُعقّب لحكمه {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً} أي يخصّ مَنْ شاءَ من عباده بالإِناث دون البنين {وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور} أي ويخصّ مَنْ شاءَ بالذكور دون الإِناث {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً} أي يجعلهم إن شاء من النوعين فيجمع للإِنسان بين البنين والبنات {وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً} أي ويجعل بعض الرجال عقيماً فلا يُولد له، وبعض النساء عقيماً فلا تَلِدْ، قال البيضاوي: والمعنى يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة، على مقتضى المشيئة، فيهب لبعضٍ إمّا صنفاً واحداً من ذكر أو أنثى، أو الصنفين جمعاً، ويُعقم آخرين، والمراد من الآية بيان نفاذ قدرته تعالى في الكائنات كيف يشاء، ولهذا قال {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} أي مبالغ في العلم والقدرة، يفعل ما فيه مصلحة وحكمة، قال ابن كثير: جعل تعالى الناس أربعة أقسام: منهم من يُعطيه البنات، ومنهم من يُعطيه البنين، ومنهم من يُعطيه النوعين الذكور والإِناث، ومنهم من يَمْنَعه هذا وهذا فيجعله عقيماً لا نسلَ له ولا ولد، فسبحان العليم القدير)].

ومرَّت بنا في الاسبوع الفائت ذكرى اليوم العالمي للطفل، والتي تأتي في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني في كل عام، ونحن في كل مناسبة نُبيّن وجهة نظر الإسلام كي يكون المسلم على بيّنةٍ من أمور دينه.

الأبناء هِبَةٌ من الله عزَّ وجلَّ

من نِعم الله على الإنسان أن يُكرمه الله سبحانه وتعالى بالذرية الصالحة، فالأبناء هِبَةٌ من الله عزّ وجلّ، والناسُ من حيث الإنجاب أربعة أصناف:

1- صنف يُنجب ذكوراً فقط: مثل سيدنا إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – والذي أنجب ذكوراً فقط، كما جاء في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَآء}، «أي الحمد للّه الذي رزقني على كبرِ سنّي وشيخوختي إسماعيل وإسحاق، قال ابن عباس: وُلِدَ له إسماعيل وهو ابن تسعٍ وتسعين، وَوُلِدَ له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة».

2- صنف يُنجب إناثاً فقط: مثل سيدنا لوط – عليه الصلاة والسلام – الذي أنجب بناتٍ فقط.

3- صنف يُنجب ذكوراً وإناثاً: مثل سيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم، حيث رُزِق – عليه الصلاة والسلام – بثلاثة أبناء من الذكور، وهم: القاسم، وعبد الله، وإبراهيم، كما رُزِق بأربع بنات، وهنّ: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.

4- صنف لا يُنجب لا ذكوراً ولا إناثاً (لا إنجاب): مثل سيدنا يحيى – عليه الصلاة والسلام -، كما جاء في قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}، (وَحَصُوراً) «أي يحبس نفسه عن الشهوات عفّةً وزهداً ولا يقرب النساء مع قدرته على ذلك».

عناية الإسلام بالأطفال

لقد عُني الإسلام عناية كبيرة بالأبناء بصفة عامة من المهد إلى اللحد، فهم فلذات الأكباد وَسَنَدُ السواعد، كما عُني بمرحلة الطفولة بصفة خاصة، ومن أجل ذلك فقد حَرَّم الإسلام الزنا لأن فيه ضياعاً للنسل وخلطاً للأنساب، كما اعتبره فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً، وأوجد البديل ألا وهو الزواج؛ لذلك دعا رسولنا  صلى الله عليه وسلم إلى بذل الجهد في اختيار الزوجة الصالحة، كما حثَّ على تحصين الولد عند وضع النطفة في الرحم، ومن المعلوم أن حفظ النسل أمرٌ ضروري حيث اتفقت الديانات السماوية على وجوب صيانة واحترام الأركان الضرورية للحياة البشرية، وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فقد ذكر الإمام الغزالي في كتابه «المستصفى»: «أن حرمة الضرورات الخمس لم تُبَحْ في ملّة قط»، أي أن الديانات السماوية قد أوجبت حرمة هذه الضرورات الخمس، وقال بذلك الإمام أبو اسحق الشاطبي في كتابه: «الموافقات في أصول الشريعة».

حقوق الطفل

لقد حفظت الشريعة الإسلامية الغرّاء للطفل حقوقه كاملة، حيث إنها تُغَطِّي جميع أطوار طفولته، كما وضعت ضمانات تصون هذه الحقوق في جميع الأحوال، وما كلّ ذلك الاهتمام بالطفل إلاّ لأنه الثروة التي تجب مراعاتها والحفاظ عليها، ولا يجوز بحال من الأحوال إهمالها أو التفريط فيها، فإنه بعض الحاضر، وكل المستقبل، وقد بيَّن الإسلام بأن للطفل حقوقاً عديدة، منها:

- مرحلة ما قبل الميلاد: لقد أرشد ديننا الإسلامي الحنيف المسلم إلى وجوب اختيار الزوجة الصالحة، فقال  صلى الله عليه وسلم: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»، وقال أيضاً: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»..

والأم الصالحة حقٌ للإبن على أبيه، كما جاء في قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: مُجيباً على سؤالٍ لأحدِ الأبناء لمَّا سأله، ما حقّ الولد على أبيه؟ أجابه – رضي الله عنه - بقوله: «أنْ ينتقي أُمَّه، ويُحْسِنَ اسْمَه، ويعلّمه القرآن».

- مرحلة ما بعد الميلاد: لقد اعتنت شريعتنا الإسلامية الغرّاء بالطفل عند ولادته، وَأَبْرَمَتْ له أحكاماً تُظهر مدى العناية به، ويكون ذلك في خطوات كثيرة، أهمها ما يلي:

أ- الأذان: وذلك بأن يكون الأذان في أُذنه اليمنى والإقامة في أُذنه اليسرى وذلك حين الولادة مباشرة، كما جاء في حديث أبي رافع قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ  صلى الله عليه وسلم «أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلاةِ» كي تكون أول كلمات تصل إلى مسامعه هي كلمة التوحيد.

ب- العقيقة: هي الذبيحة التي تُذبح احتفالاً بالمولود ذكراً كان أو أنثى، كما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ غُلامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وُيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى».

ج- تسمية المولود: فقد حثّ الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم على اختيار الأسماء الطيبة، فقال  صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» ، وفي حديث آخر: «َأحَبُّ الأسْماءِ إلى اللّه عَبْدُ اللّه وَعَبْدُ الرَّحْمَن، وأصْدَقُها‏:‏ حَارِثٌ وَهمَّامٌ».

د- حثّ الأبناء على الطاعة ومكارم الأخلاق: فقد ورد أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: «أَدِّبُوا أَولادَكُم على ثَلاثِ خِصَالٍ: حُبِّ نَبِيِّكُم، وَحُبِّ أَهلِ بَيتِهِ، وَقِرَاءَةِ القُرآنِ، فَإنَّ حَمَلَةَ القُرآنِ في ظِلِّ اللهِ يَومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ, مَعَ أَنبِيَائِهِ وَأَصفِيَائِهِ»، وقال - عليه الصلاة والسلام - أيضاً: «مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْر، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».

 وهناك حقوق أخرى مثل حقِّ الرضاعة، والنفقة والحضانة، والعدل بين الأولاد، وتربيتهم على القيم والأخلاق الفاضلة، وتجنيبهم رفقاء السوء... وغير ذلك من الحقوق التي أقرّها ديننا الإسلامي الحنيف للطفل.

هذا هو ديننا الإسلامي الحنيف الذي يهتم بالطفل، وَيُوصِي به خيراً، بينما نرى اليوم ما يفعله المحتلون بأطفال فلسطين من قتل، وتشريد، وتنكيل، وتيتيم لهم، وتدمير لبيوتهم، وتجريف لمزارعهم، ونحن نتساءل: متى يشعر أطفال فلسطين بالأمن والأمان والحرية كباقي أطفال العالم؟!!

* خطيب المسجد الأقصى