بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 حزيران 2019 12:03ص الحفاظ على البيئة.. واجـب ديني

حجم الخط
د. أحمد محمود كريمة*

تحتل البيئة في الإسلام موقعاً متفرّداً فهي جزء لا يتجزأ من واجبات المسلم التي يثاب عليها ان قام بها، ويعاقب على التفريط فيها، إهمالاً أو تقصيراً لما يترتب على عدم فعله عن أداء واجبه من خلل وفساد. وقد شمل هذا التوجيه جميع مظاهر البيئة وكافة مجالاتها.

البيئة في التشريع الإسلامي هي المحيط الذي يعيش فيه الإنسان.

ويتبادل ضمنه علاقات التأثير والتأثّر مع عناصر البيئة المختلفة الحيّة ومن ثم فإنها تتجاوز في التشريع الإسلامي لتشمل طبيعة العلاقات التي تربط الإنسان بهذه البيئة، ونوعية هذه العلاقة باعتبار ان ما يترتب عليه من سلوك عملي له أثره القوي والواضح على البيئة، ولا مجال لتجاوزه وإغفال نتائجه. 

أسس التعامل مع البيئة

بالاستقراء في أصول الشريعة الإسلامية وأصولها ندرك انها قد وضعت الأسس الهامة التي تضبط في إطارها سلوك المسلم في تعامله مع البيئة، كما حددت الشروط الواجب التقيّد بها لتتم المحافظة على مواردها من الاستنزاف الجائر.

وهذه التشريعات في مجملها ترمي إلى تحقيق مقصد التشريع الإسلامي، ويتمثل في إصلاح الحياة الإنسانية والطبيعية وتفادي أسباب الفساد والهلاك، ليتمكن الإنسان من المهمة الاستخلافية التي أوجده الله من أجلها.

قال الله - تعالى - {الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى}.

وقال الله - تعالى - {والأرض فرشناها فنعم الماهدون}.

وقال الله - تعالى -{وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد}.

ومن مقتضيات تكريم الله للإنسان تسخير جميع عناصر البيئة له، ينتفع بمواردها في إطار القيام بمهمة الخلافة في الأرض باعتبارها الغاية من وجوده في الحياة.

قال الله - تعالى - {أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون}.

والله - سبحانه وتعالى - حينما سخّر البيئة للإنسان على نمط وسطي، ومن هنا كانت البيئة أمانة وضعها الله في يد الإنسان ومكّنه من ناصيتها وأخضع له جميع مكوّناتها، الأعمال والبناء وفق مراد الله لتحقق بذلك العبودية الكاملة لله - تعالى -. وحذّر الشارع الإنسان من الإفساد في الأرض بأن يعطّل وظيفتها قال - تعالى - {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين} «الآية 85 من سورة الأعراف».

ذلك لأن الاعتداء على البيئة وتوازنها اعتداء على الحياة ولعل أبلغ آية وصفت في دقة وصدق حالة الأرض في عصرنا بعد ان امتد التلوث إلى جميع موارد البيئة وأحدث فيها دماراً مريعاً قال - تعالى - {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} «الآية 41 من سورة الروم». 

الإفساد ممنوع

وقد جمع العلماء جملة من مظاهر الإفساد في الأرض فإنه يشمل الإفساد المادي العامر وإماتة الأحياء، تلويث الطاهرات وتبديد الطاقات واستنزاف الموارد في غير حاجة ولا مصلحة، وتعطيل المنافع وأدواتها كما يشمل الإفساد المعنوي كمعصية الله - تعالى - ومخالفة أمره والكفر بنعمته والتمرّد على شريعته والاعتداء على حرماته وإشاعة الفواحش ما ظهر منها وما بطن وترويج الرذائل ومحاربة الفضائل، وحتى تسلم البيئة من الفساد التي يتهدّد حياة الإنسان يجب الحرص على نظافة البيوت والأفنية، فجاء في الحديث «إن الله طيب يحب الطيب. نظيف يحب النظافة. كريم يحب الكرم. جواد يحب الجود».

ولقد سجلت لنا المصنفات التي وضعها فقهاء الإسلام كيف حرص الإسلام على نظافة المحيط وحمايته من التلوث وذكرت الشروط التي يجب توافرها في الأماكن العامة التي يرتادها الناس ومما ذكر ان «النظافة العامة كانت أهم الأعمال المحتسب. ففي الحمامات كان المحتسب يأمر بغسلها وكنسها وتنظيفها بالماء الطاهر مرات عديدة في اليوم. وكان يأمر بغسل المجاري من الأوساخ المجتمعة فيها، والعكر الراكد في أسفلها مرة كل شهر وبإشعال البخور فيها مرتين. وكان المحتسب يمنع صاحب الحمام من إدخال المجذوم والأبرص حفاظاً على الصحة العامة».

كل ذلك مما يماثله غايته الحفاظ على صحة الإنسان وحماية الموارد البيئية من الإتلاف والتبديد إستجابة لتعاليم الإسلام التي ألزمت الإنسان بمنهج وسطي في التعامل مع البيئة.



* أستاذ الشريعة الإسلامية - جامعة الأزهر