بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 شباط 2020 12:02ص السهم المسموم.. والرحيق المختوم

حجم الخط
 القاضي الشيخ عبد العزيز الشافعي*

يغزو «كيوبيد» وسهامه السحريّة عقول الشباب والشابّات. يهيمون كل يوم في البحث عن حب مأمول، أساسُه نظرةٌ تصل إلى القلب، وأمل خادع بأن تكون هذه النظرة الأولى أساساً لحبٍّ ثابت، وعلاقة مستقرّة.

ويغيب عن أذهان هؤلاء الشباب (أو يتجاهلون) قول الله تعالى: {قُل للمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلك أَزْكَى لَهُمْ إنَّ اللَّهُ خَبيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل للمؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجهُنَّ وَلَا يُبْدينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها...} (سورة النور 30 - 31). وحديث النبي  صلى الله عليه وسلم: «النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه» (رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين).

والنهي عن هذه النظرة المحرّمة ليس تقليلاً من شأنها وأثرها، بل تقديراً لهذا الأثر الذي يغلب ضرره. فالتقاء النظر (كما اللمس) من أقوى وسائل التواصل بين البشر على الإطلاق، فإذا وضعت في غير محلّها كانت باباً لكل شرّ وفتنة وفساد، والله تعالى يقول: {إنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الذين آمَنوا لَهُمْ عَذَابٌ أليمٌ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمونَ} (النور 19).

غير أن الإسلام نظّم ولم يمنع، وأرشد ولم يقمع، وجعل في الحلال الطيّب غُنية عن الحرام، فوجّه الناس من النظرة الآثمة إلى النظرة المثابة. وقد وصف النبي  صلى الله عليه وسلم المرأة الصالحة بقوله: «إذا نَظَرَ [زوجها] إِلَيْهَا سَرَّتْهُ».

ولأنّ إلتقاء النظر من أقوى وسائل التواصل، فلا ينبغي أن ينقطع بين الزوجين، الأمر الذي يغيب عن اهتمام أكثر الأزواج بعد انتقالهما إلى المنزل الزوجي، وغرقهما في مشاكل الحياة اليومية، مما يورث فتوراً في العلاقة، ويعود كثيرون للبحث عن تلك النظرة الآثمة، وذاك السهم المسموم، متأثرين بسيل من المواد الإعلامية التي ترفع الحبّ على حُسن الخلق، والغريزة على الشرف، والخيانة على الأمانة..!

إنّ إهمالَك ما أُمِرت به، وسعيَك وراء ما نهيت عنه، وصفة مضمونة للفشل، وطريق لإنهاء العلاقة وتمزيق الأسرة.

فالواجب أن يُفرّغ كل من الزوجين وقتاً خاصاً لخُلوتهما، ولو مرة في الأسبوع، ينقطع فيه كل منهما عن كل شيء إلا عن صاحبه، ويعطي كل منهما الآخر كل اهتمامه، ويهيم كل منهما في عيون شريكه ليقرأ ما لا يُقال، ويقولَ ما لا يُسمع، فيكون السهم المسموم في الحرام، رحيقاً مختوماً إذا وُضع في الحلال.

* قاضي بيروت الشرعي