مع بدء موسم حج هذا العام يستعد المسلمون لهذه العبادة العظيمة، حيث تراهم على أهبة الاستعداد لزيارة بيت الله الحرام والطواف حوله والسعي بين الصفا والمروة. مروراً بالوقوف بعرفة ورمي الجمار وانتهاءً بزيارة المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
ولكن هناك فئة من النّاس لا تعرف عن احكام الحج وأركانه شيئاً، بل تراهم يرددون بأن رحلة الحج هي رحلة إستجمام فقط، يقومون من خلال ذلك بالتوجه إلى الأسواق والمنتزهات السياحية، وأحياناً يتركون الصلاة والعبادة وهم في الأسواق يبحثون عن هدايا لذويهم.
وحيث ان الحج هو ركن من أركان الإسلام وبأنه عبادة روحية بدنية يسر بها الإنسان فيركع ويسجد ويدعو ويرجو رحمة ربه فيلتجئ الحاج إلى بيت الله الحرام لينظر إلى عظمته ومكانته.
والسؤال: هل الحج رحلة استجمام أم عبادة، ولمعرفة ذلك أجرينا هذا التحقيق مع العلماء وكان الجواب:
د. شعراوي
{ وقال الشيخ د. خليل شعراوي إمام مسجد المكحل ومدرس الفتوى : قال الله تعالى: {ولله على النّاس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فان الله غني عن العالمين} (سورة آل عمران، آية 97).
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام فبتمامه واستكماله وفهم نسكه تكون قد أتيت بالأمور العظام.
فمن جهة هو جهاد ولا شك هو العبادة بكل أنواعها، وقد جمعت فيه منافع الدنيا وكذا زاد الآخرة.
وفيه تتعلم الرقي والرفعة على الشهوات والملذات، وكذا الانكسار والخضوع إلى رب العباد.
وفيه تتعلم كيف سياسة الشعوب، ووحدة الأمة رغم اختلاف ألوانها ولغاتها ومفاهيمها وعقولها ووجهات نظرها.
فالحج هو الجامع لكل الخلق بأجسادهم وأرواحهم رغم تعدد نواياهم.
الحج في اللغة هو القصد وهو الجامع للمقصد، فهو التخلي عن كل شيء بكل ما تعنيه الكلمة والإقبال على الباقي كما قال تعالى: {كل من عليها فان* ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام} (الرحمن، 26 - 27).
وأضاف: فعجباً لمن حول وحور وبدل هذه الفريضة في معانيها من قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب} (البقرة 197).
وحصرها في الماديات فأصبح الحاج وكأنه في نزهة تعبدية ذات طقوس في أيام معدودة خالية عن كل المعاني الايمانية والحياتية وغيرها.
فالله من فضله وسعة رحمته قال للناس: {ليس عليكم جناح من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم} (البقرة 198).
ولكن هذا لا يعني أن نبدل حقيقة الحج إلى رحلات استجمام وتجارة محضة، فجائز لنا في الحج أن نبتغي فضلاً من ربنا في تجارة وغيرها.
واختتم قائلاً: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله مثل هذا الذي سألتني، فسكت حتى نزلت هذه الآية: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لك حجا.
والسؤال هل هي نيتك للحج وتبتغي من فضل ربك؟ أم نيتك مغايرة؟ وهي للتجارة والاستجمام ولا يهم إن أدينا المناسك أم لا؟.
فالوجهة عباد الله لا بدّ وأن تكون لأداء المناسك وما افترض الله عليك ومن ثم حصلت تجارة وغيرها من المنافع المشروعة فلا جناح عليك في ذلك.
فلنرجع أيها المسلمون إلى تلك المعاني الراقية التي عاشها أسلافنا حتى يفتح الله علينا ما فتح عليهم وأعطاهم.
الخانجي
{ أما الشيخ محمّد الخانجي إمام مسجد قريطم فقال:
إن الحج ركن عظيم من أركان هذا الدين، وفريضة كبرى من فرائضه، تجب على الفور متى ما بلغ الإنسان وامتلك ما يستطيع به أداءها، فإن فرط وسوف وتقاعس فأدركه المرض أو الفقر أو الموت فقد فوت على نفسه أجراً عظيماً، وأما من بادر فهنيئاً هنيئاً له الزيارة، وهنيئاً له التضلع من زمزم، وهنيئاً له السعي والطواف، وهنيئاً له القلب الجديد، والعقل الجديد، والنفس الجديدة، وصحيفة الأعمال البيضاء، والالتزام الصادق بأمر الله، وهنيئاً له الأجر العظيم، والثواب الجزيل، فقد عاد من خطاياه بالكفارة كيوم جاء إلى الدنيا، وجاهد في الله تعالى أفضل الجهاد، وأعتق من النار في يوم عرفة، واستجيب دعاؤه وعجيجه، في هذه الأيام المباركة يستعد كثيراً من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لتلبية أمر الله - جل وعلا - لأداء فريضة الحج، محبة وشوقاً، مستجيبين لأمر الله تعالى: {ولله على النّاس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} (آل عمران 97). وامر رسوله صلى الله عليه وسلم : «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (رواه البخاري ومسلم).
فها هو موسم الحج سيهل علينا حاملاً في جنباته صورة الوحدة لهذه الأمة، محققاً في افرادها التآلف والتعايش والطهر في كافة أنواعه، وكذا صورة استجابة المسلم لأمر ربه تبارك وتعالى بالتخلي عن الدنيا وما فيها من مال وأهل وجاه ليلبي أمر الله تعالى بالسعي إلى بيت الله العتيق ابتغاء الأجر والثواب، بالحج يتربى المسلم على التسليم والانقياد لله، فإذا تنقل بين المشاعر، وطاف بالبيت العتيق، وقبّل الحجر الأسود، ورمى الجمرات، انقياداً لله وطاعة له، فالله عز وجل أمر عباده بالحج حيث يدخل في ذلك كل واجب، وكل ركن، وكل ما لا يتم الحج إلا بالإتيان به، فرحلة الحج جهاد ومشقة، فيه يبذل الحاج الجهد ويتحمل المشاق، ففي الحج أمور لا توجد في غيره من العبادات وفيه من المشاق وبذل النفس والمال ما لا يوجد في غيره، الحج هو اغتنام الأوقات والعبادة فيه، لا أن يلهو الحاج في سفاسف الأمور ويضيع الوقت، فليكن الحاج من الراكعين المتضرعين المنيبين التائبين، من الملبين المهللين، على الحاج أن يغتنم كل لحظة يوم الوقوف في عرفات، ليكثر من قول (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). ليكثر من الإستغفار، ومن الدعاء، فعلى المسلم العاقل، الناصح لنفسه أن يتدارك أوقاته، وأن يعد أنفاسه، وأن يكون حافظاً لوقته، شحيحاً به، فلا يفرط في شيء من لحظات عمره،، ولا يهدر منها شيئاً إلا فيما ينفعه في دنياه وآخرته، وليعلم أن وقته شاهد له أو عليه، والحج فرصة ربما لا تعود، فاكثروا فيه من أعمال القرب من الله تعالى.
تحقيق: الشيخ زياد زبيبو