تحلّ علينا هذه الذكرى المباركة مع ازدياد الهجمة الإسرائيلية الشرسة على بلادنا فلسطين بصفة عامة ومدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك بصفة خاصة، والتي تهدف إلى تزييف الحضارة وتغيير التاريخ من أجل طمس المعالم الأثرية والتراثية والحضارية العربية والإسلامية في فلسطين ومدينة القدس وقلبها المسجد الأقصى المبارك.
ومن المعلوم أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسعى جاهدة إلى تنفيذ مخططاتها الاحتلالية لتهويد المدينة المقدّسة، وفرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى من خلال محاولة تقسيمه زمانياً ومكانياً تمهيداً لإقامة ما يُسمّى بالهيكل المزعوم لا سمح الله، حيث تقوم بإجراءات يومية ضِدّ أهلنا في المدينة المقدسة، من مصادرة هوياتهم، وفرض الضرائب الباهظة عليهم، وهدم بيوتهم، والاعتداء على المقابر الإسلامية، واعتقال وإبعاد ومنع الشخصيات الدينية والوطنية وسدنة الأقصى وحراسه من دخول المسجد الأقصى والمدينة المقدسة، بالإضافة لحملة الاعتقالات ضد شباب المدينة المقدسة.
وبهذه المناسبة فإننا نُوجه تحية إكبار وإجلال لأهلنا المقدسيين ولعلمائنا الأجلّاء وللشخصيات الدينية والوطنية ولسدنة الأقصى وحراسه وللمرابطين داخل المسجد الأقصى، على صمودهم وتصدّيهم الدائم لقطعان المستوطنين ودفاعهم المستمر عن المسجد الأقصى والمدينة المقدسة، حيث إنهم يشكّلون خط الدفاع الأول عن القدس والأقصى والمقدسات ويتصدّون للمُقتحمين بشتى الوسائل الممكنة؛ دفاعاً عن أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين.
فعن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: (يَا رَسُوَلَ اللهِ، أَفْتِناَ فِي بَيْتِ الْمَقِدْسِ، قَالَ: «أَرْضُ الْمَحْشَر ِوالْمَنْشَر، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فيِه، فَإِنَّ صَلاَةً فِيِه كَأَلْف صَلاَة فِي غَيْرِهِ». قَلتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إليه؟ قال: «فَتُهْدِي لَهُ زَيْتاً يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذِلكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ»).
هذه دعوة نبوية إلى أبناء الأمتين العربية والإسلامية بوجوب الوقوف مع أشقائهم المرابطين في بيت المقدس ودعمهم ومساندتهم؛ كي يبقوا محافظين على مسرى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم من اعتداءات المعتدين صباح مساء.
إنَّ مدينة القدس اليوم ليست بحاجة إلى الأقوال ولا التصريحات التي تَمْتَصّ النقمة من النفوس، ولكنها بحاجة إلى ترجمة هذه الأقوال إلى أفعال على أرض الواقع، حيث إن الواجب على أبناء الأمتين العربية والإسلامية بناء باب دعم المقدسيين في شتى المجالات الصحية والإسكانية والتعليمية والتجارية والإغاثية، كي يبقوا مرابطين صامدين ثابتين فوق أرضهم المباركة؛ لأن المواطن المقدسي هو الذي يُدافع عن الأقصى والقدس والمقدسات، وَيُشَكّل الصخرة التي تتحطّم عليها جميع المؤامرات.
الشيخ د. يوسف سلامة جمعة
خطيب المسجد الأقصى