بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 نيسان 2019 12:04ص المؤشّر العالمي للفتوى عن الإسلاموفوبيا: أنتجها الإرهابيون واستغلّها اليمين المتطرّف وسدَّد فاتورتها مسلمو الغرب

حجم الخط
كشف المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أن «الإسلاموفوبيا» أو العداء ضد الإسلام والمسلمين في الغرب هي ظاهرة مَرضيَّة أسّس لها خطاب التنظيمات المتطرفة المحسوب ظلماً على الإسلام يدعمه خطاب اليمين المتطرف في الغرب، ومع احتدام المعركة بين الخطابين يتحوّل العداء إلى تطرّف عنيف يسدّد فاتورته المسلمون في الغرب من دمائهم وأرواحهم.
خطابات متطرّفة
وفي تحليله لخطابي اليمين المتطرف بالغرب والتنظيمات الإرهابية أكد مؤشر الفتوى أن خطاب الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب يعتمد على مفردات مثل «العِرق الأبيض، وقيادة القارة العجوز للعالم»؛ مؤسساً لخطاب استعلائي يساهم في نشر العنف والكراهية، مثل ما حدث فعلياً في الهجوم الأخير على مسجديْ نيوزيلندا.
في الوقت الذي يتبنّى فيه الخطاب الإفتائي للتنظيمات والجماعات المتطرفة العنف المضاد، مصدراً فتاوى متشدّدة ترفض فكرة المواطنة مثل الفتوى التي تقول: «مجرد تجنًس المسلم بأية جنسية أخرى لدولة غير إسلامية كبيرة من الكبائر توجب مقت الله وشديد عقابه».
وعقد مؤشر الفتوى مقارنة بين خطابيً الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل «حزب الحرية في هولندا وحزب الجبهة الوطنية في فرنسا»، وبين التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة وتوصل إلى أن (95%) من خطاب الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا يُعادي الإسلام بشكل عام، وينمّي ظاهرة الإسلاموفوبيا.
أما عن تحليل مفردات الخطاب فقد وجد أن (80%) من مفردات هذا الخطاب العدائي مرتبطة باللون والعِرق والهوية، مثل: (سيادة العِرق الأوروبي، تفوّق اللون الأبيض، الحضارة الغربية)، وأن (20%) من خطابها يدور حول الدين والخوف على المسيحية، وذلك مثل ألفاظ: (غزو المسلمين، أطفال الغزاة، الدين الوحشي، الإسلام الإرهابي، الإسلام هو الموت والمسيحية هي الحياة...).
وتابع المؤشر العالمي للفتوى أنه بتحليل خطاب التنظيمات الإرهابية، مثل داعش والقاعدة، وجد أن (80%) من خطابها يعادي الآخر وكان مداره حول «العقيدة، والجهاد، والولاء والبراء».
وبتحليل ألفاظ خطاب هذه التنظيمات توصل المؤشر إلى أن (90%) من ألفاظ هذا الخطاب ينبذ الآخر وتتمثل في: (الغرب الكافر، الصهيو صليبي، فريضة الجهاد، هيمنة الكفر، دساتير وقوانين الكفرة، موالاة المشركين)، وأن (20%) من هذا الخطاب يدعو لتنفيذ أجنداتها وأفكارها في هذه البلاد.
أسباب الإسلاموفوبيا
وحول الأسباب والروافد التي أدّت إلى تنامي وتغذية ظاهرة الإسلاموفوبيا، بيَّن مؤشر الإفتاء أنها تتمثل في عوامل عدة..
أولها: أعمال التنظيمات الإرهابية التي جاءت بنسبة (30%)..
وثانيها: ظاهرة اللجوء لإحدى الدول الغربية هرباً من بؤر الصراع بنسبة (25%).
وثالثها: الهجرة بغرض العمل وانعكاس ذلك على اقتصاد هذه الدول، وجاء بنسبة (20%).
ورابعها: دعاوى أسلمة أوروبا والذي جاء بنسبة (15%).
وأخيراً: عداء الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب ضد الإسلام والذي جاء بنسبة (10%)..
من جانب آخر، نقل المؤشر العالمي للفتوى استطلاعاً حديثاً للرأي الأوروبي نشرته صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، وأفاد بأن (47%) من الألمان أعربوا عن وجود صراع أصولي بين تعاليم الدين الإسلامي وقيمهم المجتمعية، في حين تصل النسبة في فرنسا إلى (46%)، مقابل (38%) في بريطانيا، و(36%) في الولايات المتحدة.
وحول الخوف من انتشار الإرهاب الذي يرتكب باسم الإسلام في الغرب، أعرب (72%) ممَّن شملهم البحث في الدول الأربع المذكورة، عن قلقهم البالغ أو المتوسط حيال الأمر، فيما أبدى (48%) من الألمان، و(47%) من الفرنسيين، مقابل (33%) من الأميركيين، و(27%) من البريطانيين، أنهم سيفكرون كثيراً في حالة إقدام أحد أقاربهم أو أصدقائهم على الزواج من شخص مسلم.
وقد خلص المؤشر لنتيجة نهائية مفادها أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب والتيارات والأحزاب الإسلامية المتطرفة، وجهان لعملة واحدة؛ قوامها معاداة الآخر ونبذه، سواء بالأقوال أو الأفعال.
مخاوف ساهمت في ظهورها
واعتبر مؤشر الفتوى أن مخاوف بعض الأحزاب اليمينية الغربية وتبنّيها لظاهرة الإسلاموفوبيا تكمن في عدة هواجس، أولها: قضية التمويل ونشر ودعم أفكار وأيديولوجيات بعض الدول والجماعات الإسلامية بنسبة (35%)، ثم الخوف من تطبيق الشريعة الإسلامية بنسبة (25%)، ونشر الهوية الإسلامية للمواطنين الأوروبيين بنسبة (20%)، والخوف من انتشار الثقافة الإسلامية والأجيال الجديدة التي نشأت عليها بنسبة (15%)، وأخيراً الدعوة لإقامة الدولة الإسلامية بنسبة (5%).
واستدل مؤشر الإفتاء ببعض الفتاوى التي تؤدي للإسلاموفوبيا، وبالتبعية الخوف من تطبيق الشريعة الإسلامية ونشر الهوية الإسلامية بين مسلمي أوروبا ورفض فكرة المواطنة وتجنيس المسلمين في الغرب، ومن ذلك الفتوى المتشددة القائلة بأن «مجرَّد تجنُّس المسلم بأية جنسية أخرى لدولة غير إسلامية: كبيرة من الكبائر، توجب مقت الله وشديد عقابه». والتي أوردت أدلة تعزز لقاعدة «الولاء والبراء»، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من ادعى لغير أبيه أو انتمى لغير مواليه، فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة»، وكذلك قول الله تعالى: {لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}.
وردَّ المؤشر العالمي للفتوى على تلك الفتوى بأنها تخالف الواقع المعاصر، ففكرة الدول الاستعمارية استبُدلت الآن بالدول الحليفة والصديقة، كما أنه لا توجد الآن حرب بين الدول الغربية وإحدى الدول الإسلامية.
واعتبر مؤشر الفتوى أن هناك أموراً وموضوعات قد تكون عادية جداً في بعض الدول العربية في حين يراها الغربيون شاذة؛ بل ويجرّمونها في بعض الأحيان، مثل موضوع «الختان» في هولندا، فبعض المسلمين يؤيّدونه فيما تعتبره الدولة انتهاكا للمشاعر الدينية والثقافية، وكذلك موضوع تنظيم النسل في أوروبا وفي المقابل دعاوى الإنجاب عند بعض المسلمين الموجودين في الأراضي الأوروبية، وكذلك حظر الحجاب والنقاب بالنسبة للمرأة.
استغلال الإسلاموفوبيا
وأوضح مؤشر الفتوى أن سلاح الإسلاموفوبيا أصبح مؤثراً وبقوَّة في تحقيق المكاسب والأهداف والتوجهات، سياسياً أو ثقافياً أو اقتصادياً.
حيث أكد المؤشر أن بعض الأحزاب السياسية في الدول الغربية، لا سيما اليمينية المتطرفة منها، تدعو لنبذ المسلمين ونشر العنصرية ضدهم، كما أن التصعيد الذي تمارسه الأحزاب السياسية وزيادة منافسيها على مقاعد البرلمانات في القارة الأوروبية تدفع أحزاب اليمين الوسط دفعاً إلى تبنّي جزء كبير من اللغة المعادية ذاتها ضد المسلمين والمهاجرين في أوروبا لنيل المزيد من المكاسب السياسية.
أما ثقافياً واقتصادياً؛ سرد مؤشر الفتوى العالمي عدة مؤلفات وروايات ودراسات بحثية عربية وغربية تناولت ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، من بينها كتاب «الإسلام العدو المفضل: جوانب تاريخية وسياسية واجتماعية نفسية للعنصرية ضد المسلمين»، صدر عام 2018 للكاتبة الألمانية «بيترا فيلد»، ورأت فيه أن أوروبا تأسست على أنها مناقضة للإسلام والشرق، وكتاب «المسلمون قادمون: الإسلاموفوبيا والتطرف والحرب الداخلية على الإرهاب»، للكاتب البريطاني آرون كوندناني، وصدر عام 2016.
وأضاف المؤشر أن هناك مؤلفات أخرى مثل: «إشراك العالم الإسلامي» للباحث الأميركي «جوان كول»، و«استعادة الخلافة تفكيك الاستعمار والنظام العالمي»، صدر عام 2018، تأليف: سلمان سيد الأستاذ بجامعة ليدز البريطانية، و«رُهاب الإسلام: الإسلاموفوبيا» (أوراق بحثية)، ترجمة وتحقيق مدثر محمد، وآلاء الصديق، وأخيراً رواية «مينوراه» للأديبة المصرية إيمان الزيات، وتناولت خلالها نظرة الإسلام للغرب وفكرة الإسلاموفوبيا.
التوصيات
وفي النهاية أوصى المؤشر العالمي للفتوى بضرورة وجود عقول مُدركة ومؤهلة لتوصيل رسالة الإسلام السمحة على الوجه الأكمل من ناحية، ومواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا من ناحية أخرى، مع مراعاة خصوصية المجتمعات الأوروبية والغربية، وأن يكون هناك تواصل حقيقي بأسلوب حضاري يسعى للسلام الذي هو هدف الإسلام الأسمى.
كما لفت المؤشر إلى ما أحدثته دار الإفتاء المصرية بعد أن أدركت كل هذه التحدّيات، فسعت للتواصل مع دول العالم بعدّة وسائل وطرق ولغات أجنبية، مثل التواصل مع الجاليات المسلمة عبر منصاتهم المندرجة في ظل الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وتدريب أئمة مساجد الجاليات المسلمة في الخارج، وإنشاء مرصد للإسلاموفوبيا لتحليل هذه الظاهرة ومحاولة مواجهتها بطرق علمية.
وأخيراً، أكد مؤشر الإفتاء أن الصمت على الجرائم العنصرية ضد المسلمين في الغرب يعطي «قُبلة الحياة» لتنظيمات مثل «داعش» بعد موتها إكلينيكياً وانحسارها على الأرض، ولكن مثل تلك الجرائم والمذابح العنصرية، كالتي تعرَّض لها مسجدا نيوزيلندا، كفيلة بإحياء هذه التنظيمات من جديد، ليس هي وحدها بل مناصريها والمتعاطفين معها.