الشيخ زهير كبي*
الزكاة ركن من أركان الإسلام وفريضة ربانية مالية اجتماعية، فرضها الله تعالى على الأغنياء لتوزع على الفقراء والمساكين وغيرهم ممن ذكروا في سورة التوبة (آية 60)، ومن أهدافها محاربة الفقر، ومن مقاصدها الحث على الاستثمار والتنمية، وبث التكافل الاجتماعي في الأمة، وفي حال تطبيقها كما أمر الله تعالى ستكون ركيزة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وللزكاة شروط منها بلوغ النصاب، وهو مبلغ من المال إن وجد لدى الإنسان أو أكثر منه وحال عليه عام هجري كامل وجبت فيه الزكاة، فاعتبر العلماء هذين شرطين من شروط وجوب الزكاة وتكلّموا عن تعجيل الزكاة من خلال هذين الشرطين:
أولاً: هل يجوز تعديل الزكاة قبل اكتمال النصاب؟
- جاز الأحناف تعجيل الزكاة قبل كمال النصاب لمدة سنة واحدة أو سنتين. ولم يجز الشافعية تقديمها لعدم تمام النصاب، وبعض العلماء نقل الإجماع على عدم جواز ذلك منهم النووي والشافعي.
ثانياً: هل يجوز تعجيل الزكاة قبل حولان الحول أي مرور عام هجري كامل؟
- جمهور العلماء على جواز تعجيلها قبل حولان الحول وبعضهم اشترط أن لا تكون المدة كبيرة، والواضح عند الأحناف جواز تعجيلها لسنة أو أكثر، وأغلب الشافعية على التعجيل لسنة واحدة، وأجاز بعضهم تعجيلها لسنتين.
إذاً عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة والشافعي وأحمد، يجوز تعجيل زكاة الماشية، والنقدين (الذهب والفضة)، وعروض التجارة، إذا بلغ النصاب.
ومن أجل ذلك ونظراً إلى المصلحة كأن يوجد بالفقراء حاجة عاجلة، أو نزلت بالمسلمين نازلة، أو حصلت جائحة أو وباء أو مجاعة، فالتعجيل بإخراج الزكاة رخصة للحاجة يحكم بذلك ولي الأمر، ولا يترك حكمها للعلماء فقط، وإلا فالقياس أنها لا تقدّم.
ودليل جواز التعديل ما ورد في سنن أبي داود عن علي رضي الله عنه: «أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل الصدقة (أي الزكاة) قبل أن تحل فرخص له ذلك» ومثله في سنن ابن ماجه، وقد أورد صاحب السنن الكبرى أن النبي صلى الله عليه وسلم «تسلّف» من العباس صدقة عامين.
ضرورة واجبة
بعض عرض ما تقدّم، ومع أزمة وباء الكورونا، وتوقف كثير من الناس عن مزاولة أعمالها إما بالكامل في ظل تعميمات الدولة وإعلان حال التعبئة العامة، أو جزئياً تضاءلت مداخيل كثير من التجارات، وفي ظل وجود الغلاء الفاحش وعدم قدرة الدولة على ضبط الأسعار، وهبوط قيمة الليرة الشرائية، بات كثير من الناس بحاجة ماسّة إلى المال لتيسير أمورها وصار من الضروري تنشيط مداولة المال بين النّاس حى لا يبقى فقط بيد الأغنياء، وصارت الحاجة ملحّة لإخراج الزكاة قبل وقتها بعد أن بلغت نصاباً وتحقق سبب الزكاة.
ولنا بباكستان أسوة حسنة حيث دعا مجلس العقيدة الإسلامية الباكستانية إلى تعجيل إخراج الزكاة بغية دعم الفقراء وأصحاب الدخل المحدود بسبب فيروس كورونا، وقال المجلس أنه في ضوء الوضع الراهن يفضّل توزيع الزكاة قبل الوقت المعتاد.
وقد أكدت دار الإفتاء المصرية أنه يجوز تعجيل الزكاة في هذه الآونة نظراً لتفشي فيروس الكورونا حول العالم وقوفاً مع الفقراء وسدّاً لفاقة المحتاجين، وعملاً بالمصلحة التي تستوجب التعجيل وأضافت: «في هذه الأحوال قد أكدت الشريعة على زيادة ثواب النفقة وعظم أجر الصدقة ومضاعفة ثواب الزكاة، فإنه كلما عظمت الفاقة واشتدّت الحاجة وقوي الكرب، كان العطاء أجدى لدفع البلاء وكانت النفقة أجلب لرضوان الرب».
وقد أفتت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر تعديل الزكاة، وخصوصاً في هذه الأيام.
وأخيراً، أختم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عزّ وجلّ سرور يدخله على مسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً» أخرجه الطبراني في الأوسط.
* مدير عام صندوق الزكاة في لبنان