كثرت الأحاديث والأقاويل على ألسنة الناس في هذه الفترة الكورونية الصعبة عن صعوبة العزل المنزلي الطارئ الذي فرض نفسه في كل بلاد الدنيا كإجراء احترازي وحيد لا مفرّ منه للحدّ من تفشّي مرض كورونا بين أبناء المجتمع الواحد...
ولأنّ النفس البشريّة تتوق إلى الحريّة وتعشق الفضاء المفتوح والتنقلات لأغراض العمل وسواها والأسفار والسياحة، بات الناس يشعرون بأنهم داخل سجن قسري ذاتي غير جُرمي فُرض عليهم نتيجة انتشار هذا الوباء. أما من الناحية الأخرى فنسينا أو ربما تناسينا إيجابيات هذا العزل المنزلي الذي قد لا تُعدّ ولا تُحصى بدون أي مبالغة..
هو عزل في نعمة... لأنه عزل مع الأحبّة، الزوج والأبناء والأمهات والآباء والإخوان والأخوات، فهو ليس عزلاً هو لمّ شملٍ..
الحمد للّه أننا لم نُشَرَّد، ولم نبتعدْ عن الوطن...
لم نسكن الخيام بل سترنا على أنفسنا وأهالينا في بيوت مسقوفة، فهذا الفيروس أشبه بالحروب.. وكم من حرب شرّدت وهجّرت!!!
العزل المنزلي حتماً سيُصيبنا بالكدر والخُلُق الضيق وهذا من طبائع الأمور لاختلاف جدول حياتنا اليومية...
ولكن إذا تذكّرنا نِعَم الله علينا، سنتقبّل الأوضاع بطمأنينة وسكينة...
صحيح أننا امتنعنا عن الكماليات، وعن الترفيه و«المولات» ولكننا لم نمتنع عن مقوّمات الحياة...
صحيح أننا لم نذهب لفسحة ولا مطعم أو سوق، ولكننا نملك صحة طيبة وعافية تسندنا في العبادات والطاعات...
نملك إسلاماً وإيمانا بالله تعالى عظيماً وعظيماً جداً...
بإذن الله سينحسر هذا الضباب، ويبقى العزل المنزلي الذي احتضن الأسرة ساعات طوال بقرب بعض هو الذكرى الباقية في حياتنا...
سنعيد الشريط فيما بعد ونحكيه مراراً بابتسامة عريضة...
العزل المنزلي أشبه برحلة عائلية برّية تجمعنا تحت خيمة واحدة لها ذكرياتها الرائعة، بينما الدنيا تضجّ بأخبار الوباء!!!
هناك خلف أبواب العزل المنزلي قلوب تحتفل بقربها من بعض...
هذا الحب والاجتماع الطيب يرفع المناعة ضد المرض بإذن الله...
يعمّق ويوثّق حسن الظن بالله تعالى أكثر وأكثر...
العزل لا يعني الزعل...
العزل كسر روتين...
العزل محطة هادئة لرحلة جميلة يستكملها قطار الزمن نحو أيام أكثر وعياً وحرصاً وإيماناً بقدرة الله وعنايته والله من وراء القصد...
الشيخ د. علي أيوب