ناقش مثقفون ودبلوماسيون أهم التحدّيات التي تواجه دول منظمة التعاون الإسلامي، وذلك خلال ندوة «آفاق العمل الإسلامي المشترك» التي أجريت فعالياتها في جدة ضمن احتفاليات المنظمة بذكرى يوبيلها الذهبي.
وتركزت أعمال الندوة التي أدارها وكيل وزارة الخارجية السعودية لشؤون الدبلوماسية العامة السفير الدكتور سعود كاتب، في أربعة محاور، هي: المحور السياسي، والمحور الاقتصادي، والمحور الإنساني، والمحور الثقافي.
وتحدث في المحور السياسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور وليد السديري عن «منظمة التعاون الإسلامي وتحدّيات نظام عالمي متحوّل», مبيّنا أن العالم يمرُّ حاليا بمرحلة تحوّل تتطلّب من منظمة التعاون الإسلامي مواكبتها والاستجابة لما تطرحه من تحدّيات.
وقال: إن العالم مرَّ بثلاثة تحوّلات كبرى، الأولى: بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م، وقيام نظام الثنائية القطبية (الولايات المتحدة الأميركية – الاتحاد السوفيتي)، والثانية في عام 1991م مع تفكّك الاتحاد السوفيتي، وشهدت قيام نظام القطب الواحد ممثلا في الولايات المتحدة الأميركية، كما شهدت إنطلاق العولمة، وسعي أميركا مع حلفائها الغربيين إلى تعميم النموذج الغربي على العالم كله.
وأشار إلى أن الفرصة كانت سانحة خلال هذه المرحلة لإرساء نظام عالمي يسوده السلام والتعاون، لكن سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة من جورج بوش الابن، وحتى الإدارة الحالية، أدّت إلى إنكفاء السياسة الخارجية الأميركية، وأثبتت عدم قدرة القيادة الأميركية على قيادة النظام العالمي، وأنها تفضّل بدلا من ذلك الانشغال بالقضايا المحلية.
وقال إنه نتيجة للتراجع الأميركي فإن العالم اليوم يمرُّ بمرحلة تحوّلية ثالثة متعددة الأقطاب، صعدت فيها قوى رئيسة منافسة، مثل الصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، متوقعا أن تشهد المرحلة الحالية تزايدا في الصراع على النفوذ بين الأقطاب الجدد، لافتا إلى أن آثار هذا الصراع ستنعكس على العالم كله، وبالأخص دول منظمة التعاون الإسلامي.
وكشف أن على دول المنظمة لمواكبة تحدّيات المرحلة الجديدة، أن تعمل على محورين، يتعلق أولهما بالتحديات التي يفرضها الواقع الداخلي لهذه الدول، وهي مواكبة احتياجات النمو السكاني، حيث يبلغ عدد سكان العالم الإسلامي نحو مليار و800 مليون وهو ما يمثل 25% من سكان العالم، ثم تحقيق التنمية بمفهومها الشامل مع المحافظة على البيئة واستدامة مواردها الطبيعية، وأخيرا إستيعاب التقدّم التقني والحماية من مخاطره.
وفيما يتعلق المحور الثاني، بحسب السديري، بالتعامل مع التحدّيات التي يفرضها النظام الدولي الجديد، خصوصا فيما يتعلق بتزايد النزاعات نتيجة لتدويل الصراعات المحلية، وتعقيدها وإطالة أمدها، وتغيّر موازين القوى، وتنافس القوى الجديدة، مع عجز النظام الدولي عن احتواء هذا التنافس، إضافة إلى تراجع القضية الفلسطينية على سلّم الأولويات الدولية، واستمرار الهجمة على الإسلام وربطه بالإرهاب، على الرغم من أن 90% من ضحايا الإرهاب مسلمون.
كذلك فإن على دول المنظمة التعامل مع جملة من التحدّيات الاقتصادية المرتبطة بتحوّلات النظام الدولي الجديد، أهمها: صعود النزعات القومية الاقتصادية، وما أفضت إليه من انتشار السياسات الحمائية في المجال التجاري، ثم تزايد احتمالات الأزمات الاقتصادية في الدول الكبرى، وأخيراً تفاقم حاجات التنمية الاقتصادية.
وفي تعقيب على ورقة الدكتور السديري، أشار مدير الندوة الدكتور سعود كاتب إلى أن 60% من النزاعات تقع ضمن منطقة منظمة التعاون الإسلامي، وقال: إن هذا يقتضي من المنظمة تعزيز آليات الوساطة لديها، لتسوية هذه النزاعات وإيجاد حلول لها.
ساتي
بدوره، تطرق السفير نور الدين ساتي إلى «آليات تعزيز العمل الإسلامي المشترك»، وقال: إن تحوّلات المرحلة الحالية في النظام الدولي، تتطلب من دول «التعاون الإسلامي» المزيد من التنسيق والتضامن، والمزيد من الالتزام بمواثيق المنظمة.
واقترح مجموعة من الإصلاحات على المنظمةـ تتمثل في تحديث نظام القمة الإسلامية لتعقد كل سنتين، بدلاً من كل ثلاث سنوات، وتفعيل وحدة السلم والأمن التي أنشأتها المنظمة للمساعدة في حل النزاعات داخل دولها، وإقامة حوارات استراتيجية دورية بين الدول الأعضاء لمناقشة القضايا المستقبلية، إلى جانب الاتفاق على آليات مشتركة لمناهضة التطرف، وإيجاد حلول خارج الإطار الأمني والسياسي لقضايا الإرهاب، تشمل الإصلاحات الاقتصادية، وإدماج الشباب، وتمكينهم ماليا.
عابدين
{ وعن المجتمعات الإسلامية خارج دول «التعاون الإسلامي»، تحدث المتخصص في شؤون الأقليات في الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور حسن عابدين، مبيّنا أن عمل المنظمة في هذا المجال يعتمد على التوافق والدبلوماسية، واحترام مبدأ عدم التدخّل.
وقال: إن المنظمة حرصت في تواصلها مع الأقليات الإسلامية على أن يكون هذا التواصل بعلم الدول التي تقيم فيها هذه الأقليات ومن خلال القنوات الرسمية، مشيرا إلى أن المجتمعات المسلمة تواجه صعوبات كبيرة تتعلق بالإقصاء، خصوصاً في البلدان الأقل نموا كما هو الحال في ميانمار وأنغول، كما تواجه المجتمعات المسلمة في بعض الدول تهميشا اقتصاديا وإساءة فهم لممارساتهم الدينية، وذلك كما هو الحال في سريلانكا والصين.
كما كشف عن أن المنظمة تدخّلت لمناصرة الأقليات المسلمة في هذه الدول بجهود أدّت إلى رفع دعوى قانونية دولية ضد ميانمار بسبب اضطهادها للروهينغا، كما أسفرت وساطة المنظمة المستمرة طيلة عقود، عن تمكين المسلمين في جنوب الفليبين من نيل حقوقهم، مؤكدا على أن المنظمة ستقاتل لإسماع صوت كل من يتم عزله وإقصاؤه من المجتمعات المسلمة في أي منطقة بالعالم.
عبد الوهاب
{ وفي المحور الاقتصادي تحدث مدير علاقات الدول والخدمات في البنك الإسلامي للتنمية الدكتور وليد عبدالوهاب عن «رهان الاستثمار والتنمية في العالم الإسلامي» مبيّنا أن الوضع الاقتصادي العالمي حاليا متأثّر بثلاثة عوامل، هي: الحرب التجارية بين الصين وأميركا، والصراعات السياسية والأمنية، إضافة إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية.
وقال: إنه إذا كان تأثير العاملين الأولين يشمل العالم كله، فإن دول «التعاون الإسلامي» شديدة التأثّر على وجه الخصوص بالعامل الأخير المتعلق بانخفاض أسعار السلع الأساسية، لاعتماد اقتصاداتها على هذه السلع، وليس الحديث هنا عن سلع مثل القطن فقط، وإنما الحديث أيضا عن البترول.
وأشار إلى أن دول المنظمة تواجه تحديات كبيرة على مستوى إنجاز أجندات التنمية المستدامة لمنظمة التعاون الإسلامي، وعلى مستوى انتشار الأمراض، إذ يتركز مرض مثل شلل الأطفال في ثلاث دول كلها في المنظمة وهي باكستان وأفغانستان ونيجيريا، إلى جانب ارتفاع نسب البطالة، خصوصا في أوساط الشباب.
وقال: إن البنك الإسلامي باعتباره الذراع المالية للمنظمة، يستلهم البرنامج العشري لمنظمة التعاون الإسلامي للإسهام في حل هذه المشكلات، مركزاً بالخصوص على التواصل العابر للحدود، وتعزيز الاتفاقيات التجارية بين البلدان الإسلامية، وتعزيز دور التجارة في محاربة الفقر.
محور إنساني وثقافي
{ وفي المحور الإنساني، تحدث الرئيس التنفيذي للوكالة الوطنية لإدارة الطوارئ في نيجيريا مصطفى يونس ميهاجا، عن «العمل الإنساني في العالم الإسلامي بين الواقع والمأمول». داعيا إلى العمل على مستوى عالمي لمواجهة الكوارث الإنسانية خاصة في دول المنظمة، مشيدا في هذا الصدد بجهود المملكة العربية السعودية.
وفي المحور الثقافي، تحدث مدير مديرية الثقافة في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) الدكتور نجيب الغياتي عن «الحوار مع الآخر ضمن الدبلوماسية الثقافية الإسلامية». مبيّنا أن الإيسيسكو باعتبارها الذراع الثقافية لمنظمة التعاون الإسلامي، اعتمدت عدة آليات لتفعيل الحوار الحضاري.
وقال الغياتي: إن من هذه الآليات البرامج والندوات الاعتيادية، حيث عقدت الإيسيسكو في الفترة ما بين 2011-2018م 110 ندوات في 15 دولة خارج دول «التعاون الإسلامي»، كما أنشأت الإيسيسكو شبكات حوار للمسلمين خارج دول المنظمة، إضافة إلى إنشاء كراسي الإيسيسكو الجامعية للحوار، والعمل على تكوين الأئمة والمرشدين في إطار منهج الوسطية والاعتدال.
الضبيعي
وفي مداخلة شاملة، أكد الأمين العام المساعد للشؤون السياسية في منظمة التعاون الإسلامي يوسف بن محمد الضبيعي أن المنظمة رغم تأثّر دولها بالصراعات الكبرى الجارية على المستوى الدولي، إلا أنها تعمل عن كثب لمعالجة جميع هذه القضايا التي تطرق إليها المتحدثون، معتمدة في ذلك على التوافق بين دولها الأعضاء.
وشدّد على أن الدول الأعضاء مستعدّة لتعزيز التعاون الإسلامي المشترك، لافتا إلى أنه متفائل بعمل المنظمة، وأنه سعد بالالتحاق بها محاولا قدر المستطاع ما يعزز دور هذه المنظمة، وما يعزز من تقدّم الدول الأعضاء، خصوصا في الشق السياسي.
وأشار إلى حرص المنظمة على تطوير آليات العمل الإسلامي المشترك، خصوصا في هذه الفترة التي تترأس فيها المملكة العربية السعودية القمة الإسلامية، حيث تضمن خطاب خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمام قادة الدول الإسلامية، خلال انعقاد القمة في مكة المكرمة مايو الماضي، قضايا مهمة جداً، ستمثل العناصر الأساسية للعمل خلال هذه القمة، حيث تحدث خادم الحرمين أولاً عن القضية الفلسطينية، ثم الإرهاب الذي يعصف بالدول الإسلامية، وضرورة مكافحته، كما تحدث عن تفعيل أدوات العمل الإسلامي المشترك، وأخيرا تحدث عن الإصلاح في منظمة التعاون الإسلامي، مؤكدا على أن الإصلاحات في منظمة التعاون الإسلامي على قدم وساق، وأن المنظمة لديها من الخبراء والإمكانات ما يؤهّلها لإنجاز هذه الإصلاحات.