الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي عبادة مالية لها أهميتها الكبرى على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وقد جعل الله تعالى القيام بها سبباً من أسباب نصرته لعباده المؤمنين، قال تعالى: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز* الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة} «سورة الحج، آية 40 - 41».
وقد وضع الله تعالى قواعد لتطبيق هذه الفريضة وحدد الإجراءات العملية لتنفيذها، وألزم أولياء الأمور بالقيام بشؤون جباية الزكاة وصرفها على أصناف حددها رب العزة بآية: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} «سورة التوبة، آية 60»، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده، فأرسلوا العمال لجمع الزكاة من أصحابها وتوزيعها على مستحقيها.
ولقد كان لمنع الزكاة عقوبات حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم بالسنين» أي المجاعة والقحط، وقال أيضاً: «ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يطروا»، ومن عقوبتها في الدنيا أيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «... ومن منعها (أي الزكاة) فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا عز وجل وليس لآل محمّد منها شيء». وقد حارب أبو بكر الصديق وصحابة النبي بعد وفاته مانعي الزكاة.
جباية طوعية
والزكاة في مجتمعنا اللبناني تعتمد على الجباية الطوعية، وإن كانت هي بأصلها إلزامية يحصلها ولي الأمر وهي تُجبى في لبنان من جمعيات ومؤسسات متعددة بحيث يوزع المزكي زكاته على عدد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية، لذلك لا يُمكن معرفة الحصيلة الكلية للزكاة، أضف إلى ذلك أن أوعية الزكاة متعددة وأن عدداً من الأوعية لا تحصل إلا بنسب ضئيلة في لبنان كوعاء الثروة الحيوانية ووعاء الزروع والثمار مما يقلل من حصيلة الزكاة، وهذا ما يضعف دور الزكاة في تنمية المجتمعات ويخفض من قدرات المؤسسة الزكوية في محاربة الفقر وتنمية المجتمع الإسلامي والوصول إلى حدّ الكفاية لجميع شرائح المجتمع.
زيادة فرص العمل
والزكاة تؤثر تأثيراً مباشراً في رفع مداخيل مستحقي الزكاة وتشبع لهم حاجاتهم الأساسية، وهي طريقة مشروعة لتحقيق ذلك، وعلى ذلك فإن عدم أداء الزكاة إلى مستحقيها يتضمن خطر شروع المحتاج بأعمال غير مشروعة لسد حاجاته وحاجات أسرته بما يؤثر على عقيدته وعلى أخلاقه وعلى علاقته بأفراد أسرته وعلى المجتمع بأسره.
كما تلعب الزكاة دوراً إيجابياً في زيادة فرص العمل من خلال ما خصص من حصيلتها للمساكين، كما تساعد على زيادة كمية العمل من زاوية سهمي الغارمين وابن السبيل، وحتى لا يخرج الغارم من العملية الإنتاجية، وحتى لا يبقى ابن السبيل بعيداً عن بلده عاطلاً عن العمل يتكفف النّاس. ومعلوم أن ما يُعطى للفقراء والمساكين هو بمقدار ما يكفيهم ويخرجهم من دائرة الفقر لمدة سنة أو كفاية العمل على خلاف بين العلماء، وكان هذا يحفزهم ويخرجهم من دائرة الفقر لمدة سنة أو كفاية العمل على خلاف بين العلماء، وكان هذا يحفزهم على أن يستثمروا هذا المال ليولد لهم دخلاً يكفيهم حاجتهم، وكان يعطى أصحاب الحرفة من المال ما يشترون به الآلات التي يحتاجونها في حرفتهم، وهذا يعني أن جزءاً من حصيلة الزكاة لا بدّ أن يستخدم مباشرة في الإنفاق الاستثماري الذي يخرج الفقير والمسكين من دائرة الحاجة إلى دائرة الإنتاج ومن ثم إلى أن يكون أحد المزكين في المجتمع الإسلامي، مما يحد من مشكلة الفقر.
ولذلك تحدث بعض العلماء في عصرنا الحالي عن مشروعات إنتاجية لها عائدات يتم تمليك أسهمها إلى الفقراء والمساكين، بحيث أن العائد المتوقع لمجموع الأسهم التي يمتلكها الفقير الواحد، مضافاً إليها دخله من أجر العمل في المشروع نفسه، يجب أن يبلغ مقدار ما يكفي حاجاته الأساسية له ولمن يعولهم شرعاً، وإن لم تكن لأصحاب الأسهم القدرة على إدارة مشروعهم حيث لا يملكون المعرفة والعلم والخبرة اللازمة لذلك، لأن معظمهم من العجزة وكبار السن أو النساء، وحتى لا يكون مصير المشروع إلى الفشل يكلف أصحاب الخبرة والمؤهلات بهذه المسؤولية ولهم البدل العادل لأتعابهم، وهذا ما يتعلق مباشرة باستثمار أموال الزكاة.
وأما ما يتعلق بالزكاة من ناحية الصرف الاستهلاكي، فمن المعروف أن معدلات الربح ترتبط بمستوى النشاط الاقتصادي، وهذا يتأثر مباشرة بمستوى الطلب الكلي في المجتمع على السلع والخدمات، والطلب الكلي ما هو إلا مجموع ما تنفقه الوحدات الاقتصادية على ما تمّ إنتاجه من سلع وخدمات في المجتمع خلال فترة زمنية محددة، ويتكون الجزء الأكبر من هذا الإنفاق الكلي من إنفاق أفراد المجتمع إذا نظرنا إلى الزكاة على أنها أخذ جزء من أموال أو مداخيل الأغنياء وردها إلى الفقراء، فإن ذلك يعني بالضرورة زيادة الإنفاق الاستهلاكي في المجتمع، لأن الميل الحدي للاستهلاك عند الأغنياء منخفض وذلك لاستكمال حاجاتهم الأساسية من الوحدات الأولى من دخولهم، ومن جانب آخر فإن الميل الحدي للاستهلاك لفئة الفقراء والمساكين يكون مرتفعاً للغاية، حيث أن حاجاتهم الأساسية غير مشبعة، لذلك فإن المبالغ التي يأخذونها من حصيلة الزكاة سوف توجه لإشباع حاجاتهم الأساسية لديهم والتي غالباً ما تقع في المجال الاستهلاكي، وعلى ذلك فإن الأثر المباشر في هذا الصدد هو زيادة الإنفاق الاستهلاكي في المجتمع، وهذا يُشكّل مع الإنفاق الاستثماري آنف الذكر دورة اقتصادية متكاملة وناشطة، ومحفزة في المجتمعات على العمل والإنتاج، وهذا سبب أساسي في التنمية الاجتماعية، وهذا ما يعكسه قوله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «ما نقص مال من صدقة».
د. زهير كبي