رفع الأيدي عند الدعاء
* ما حكم رفع الأيدي عند الدعاء بشكل عام، وما حكم رفع الخطيب يوم الجمعة يديه عند الدعاء؟
هادي مكحل -بيروت
- رفع اليدين في الدعاء عموماً سنة مستحبة يدلّ عليها أحاديث كثيرة، أورد بعضها الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه في (كتاب الدعوات/ باب رفع الأيدي في الدعاء)، وأفرد لها الإمام البخاري كتاباً أسماه «جزء رفع اليدين»، واستدل الإمام النووي رحمه الله في كتابه [الأذكار] وكتابه [المجموع شرح المهذب] بجملة من الأحاديث التي تدلّ على هذه السنة، والتي تعبر عن انكسار المسلم بين يدي الله تعالى وهو يدعوه.
والأحاديث الدالة على سنيّة رفع اليدين في الدعاء كثيرة، منها ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ) أخرجه مسلم، وروى الترمذي وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ) ،وأمّا حديث البخاري من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ) أخرجه البخاري، فقد أجاب عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله (إلا في الاستسقاء) ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء، وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء، وقد تقدم أنها كثيرة» ثمّ ذكر من أوجه رفع الإشكال عن حديث أنس حمله على المبالغة في الرفع، فيكون المعنى لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه رفعاً بليغاً حتى يُرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء، وعليه؛ فرفع اليدين في الدعاء عموماً سنة مستحبة يدلّ عليها أحاديث صحيحة كثيرة، ورفع خطيب الجمعة يديه أثناء الدعاء بعد الفراغ من الخطبة الثانية مسألة مختلف فيها، وقد اتجه رأي الإمام مالك والشافعية فيها إلى المنع، في حين رُوي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته، ولا حرج في الأخذ بأحد القولين. والله تعالى أعلم
هلك المتنطعون
* ما المقصود بالتنطع، وما معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ)؟
وفيق بيرقدار -بيروت
- الأصل في التنطع: أنه التعمق في الشيء، والمتنطعون هم المتعمقون الذين يخرجون عن حد الاتزان، والدعاء عليهم في الحديث الشريف بالهلاك، دلالة على ذم ما هم فيه من حال التنطع، أو هو إخبار عن هلاكهم في الآخرة كما قال بعض العلماء، وجاء في «النهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الأثير: «(هلك المتنطعون) هم المتعمقون المغالون في الكلام، المتكلمون بأقصى حلوقهم. مأخوذ من النطع، وهو الغار الأعلى من الفم، ثم استعمل في كل تعمق، قولا وفعلا»، ولهذا فالمسلم يلتزم في دائرة الوسطية والاعتدال، ولا يتخذ ذلك ذريعة لتمييع أحكام الدين بحجة الوسطية، إنما المقصود تبني المنهج الوسط العدل من غير إفراط ولا تفريط. والله أعلم.