هشام طالب *
بعض العلماء، يتبعهم المثقفون ورجال الدين والعامة من الناس، يتخيلون أن ثمة نقطة عجائبية أصغر من رأس الدبوس واقعة في فراغ مطلق.. وفجأة انفجرت النقطة، وخرج من إنفجارها كون بدأ يكبر ويكبر ليملأ مساحة شاسعة من ذلك الفراغ الفضائي المطلق.
لكن الأمر أصبح واضحاً تماماً الآن، وهو أن مثل ذلك لم يحدث إطلاقاً بهذه الطريقة اللامنطقية.. كما قال العالم هيوبرت ريفز، لأن تلك المشاهد الكاريكاتورية لا علاقة لها إطلاقاً بعملية ولادة الكون، مع الإشارة إلى أن عملية نشوء الكون – كما قال – مسألة دينية بالدرجة الأولى، وليست مسألة فيزيائية على الإطلاق.
وفيما شكك كثير من العلماء، بنظرية نشوء الكون بالإنفجار الكبير، لم يستطع أحد إلى الآن، أن يثبت أو يقدم أية دلالات علمية على نقيض الإنفجار العظيم، ولا على الإنفجار العظيم نفسه، مع أن بعض علماء «الناسا» أعربوا عن اعتقادهم صيف عام 2006 أن الكون نشأ بالإنشطار الهادىء لكنهم لم يعطوا أية ايضاحات أو أن يجزموا بهذه النظرية؟
ونحن نعلم أن الكثير من العلماء، أصدروا الكتب وأدلوا بالتصريحات حول شكوكهم بنشأة الكون إثر انفجار عظيم، وحتى الذين قالوا بنشوئه وفق نظرية الإنفجار، لم يفيدونا بشيء عن صحة تكهناتهم؟!
لأن الصور التي نشروها، إنما هي إنفجارات عمرها ملايين السنين وقد تلت نشوء الكون الأولي، ولا علاقة لها بنشوء الكون على الإطلاق.
نظرية الانشطار الهــادىء
بعد أن حظى موضوع نشوء الكون بإهتمام العلماء ورجال الدين، كان لي أيضاً إهتمام بذلك، لاسيما أنني أخذت حيزاً مهماً وكبيراً جداً ن الدراسات والقراءات والتحليلات التي قمت بها طوال أكثر من ثماني سنوات، خرجت إثرها بتبني نظرية نشوء الكون بالإنشطار الهادىء.
وقد لاحظت أن الإنفجار الكوني أو جملة الانفجارات، حدثت بعد الإنشطار الأول للكتلة الكونية اليابسة، بعد أن تحولت إلى كواكب ونجوم ومجرات، وكانت ما تزال ملتهبة وشديدة الحرارة. وقد أدى انزلاقها وتشرذمها إلى تصادمات ذرية وغازية بين تشظظات الكتلة التي نشأت عنها المجرّات والمعرّات والكواكب وغيرها، وهي التي بقيت من إحدى الكتلتين اللتين انفصلتا عن بعضهما البعض، بعد أن كانتا كتلة مائية واحدة مصمتة، إستناداً إلى قول الله تعالى في الآية 30 من سورة «الأنبياء»:{أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي}..
إنني هنا أعتبر أن الكتلة الكونية الأولى كانت عبارة عن كمية هائلة من الماء، تملأ أرجاء الكون إستناداً أيضاً إلى قول الله تعالى في الآية السابعة من سورة «هود»:{وكان عرشه على الماء} أي أن عرش الباري تعالى كان على الماء.
وعندما شاءت إرادة الله تعالى خلق السموات والأرض، تمت عملية فتق الرتق الكوني، وفق عدة أحداث كونية بدأت بالتبخر ثم التفتت والتفجر، ثم بالخلق والتكوين.
مع الإشارة إلى أن الله الذي وصف نفسه بأنه لطيف خبير، لا يمكن أن يخلق الكون من منطلق تفجيري عنيف، لذلك جاءت نشأة الكون وفق حالة علمية يقبلها العقل، وهي تتجسد بالتبخر والتفتت أي بالإنشطار وليس بالإنفجار..؟
لأن التفجرات حدثت بعد نشوء الكون، إثر تصادمات الكتل الكونية اليابسةوالملتهبة، وهي مليئة بالعناصر الغازية الذرية والمعادن والصخور.
المعنى العلمي للإنفجار
وهنا، لابد من إيضاح المعنى العلمي لكل من الإنفجار والإنشطار، وإزالة الإلتباس حول معنى.
«الفتق» الذي اعتبره الكثيرون أنه يعني الإنفجار، وقد تبناه البعض ومنهم علماء عرب ومسلمون مشهود لهم بالكفاءة، دون التمعن بالمعنى اللغوي والعلمي للآية الكريمة ولكلمتي :«الرتق« و«الفتق».
فالفتق الذي ورد في قوله تعالى: {أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما} إنما يعني الفصل بين ملتحم، وهي بعكس الرتق أي الملتحم، وقد شاء من شاء، تأويل كلمة الفتق بمعنى التفجير أو الإنفجار وهذا خطأ جسيم.
لذلك، فإن الفتق ينسجم مع معنى الإنشطار أو الإنفلاق والإنقسام، وهذا ما حدث عندما تبخر جزء من الماء الكوني، الذي انفصلت عناصره، لتبقى المادة الصلبة الملتهبة، نواة للكواكب والشموس والأقمار، وبين المادة الغازية الدخانية التي جعلها الله تعالى سبع سموات.
والعلماء يعرفون أن انقسام النواة الذرية إلى قسمين.. وانشطار المادة، يحدث عادة بتلامس النيوترون بالنواة، أي فصل المادة عن ضديدها أو المادة المضادة لها، ويقترن فعل الإنشطار بانبعاث نيوترونات وأنواع مختلفة من الطاقة والأشعة. وقد ينشأ عن الإنشطار فقدان كامل للكتلة وإطلاق هائل للطاقة.
وهذه النتيجة، هي التي أدت إلى اكتشاف الإنشطار الذري عام 1931 عن طريق إنقسام نوى ذرات اليورانيوم والبلوتونيوم بواسطة مواد لا تمتص النيوترون، بل تبطىء سرعته على نحو يؤدي إلى إحداث مزيد من الانشطارات وإلى مزيد من إطلاق الطاقة. وهذه المواد تتمثل بالماء الثقيل أو الديوتريوم والغرافيت وغيرها.
المعنى العلمي للإنشطار والتبخر
هذا عن الانشطار.....
ما الانفجار، فهو ما تتطاير شظاياه إلتفافاً من الداخل والخارج، فتصعد منه النار والدخان والشظايا، متتابعة متموجة.
يحدث ذلك نتيجة لزيادة سريعة في الضغط التصادمي للطاقة النووية أو الكيميائية والميكانيكية ضمن حيز مغلق، كما يحدث في التفاعلات الكيميائية الماجّة للحرارة، وتكون مصحوبة بانظلاق فجائي لكميات كبيرة من الغازات الدخانية، مما يولد موجات تصادمية تترافق مع دوي هائل وشظايا متطايرة وحرارة وضوء ونار وغبار قاتم.
الفتـق: إنقسام كتلة متحدة أوتبخـر وانشطــار
هذا شرح مختصر لكل من الإنشطار والإنفجار، أما الفتق الذي حدث بين السموات والأرض و« كانتا رتقاً «أي كتلة ملتحمة هي الماء الكوني، لم يكن إنفجاراً بالمعنى التصادمي بين شيئين صلبين أو بالمعنى التفجيري لمواد قابلة للإنفجار، بل كان حدثاً كيميائياً نتج عن تعرض الكتلة المائية الكونية، لكمية كبيرة من الطاقة الحرارية والإشعاعية، بما يفوق حرارة الشمس بمئات المرات، مما أدى إلى تبخر جزء كبير منها، تحول فيما بعد إلى سبع سموات. بينما تحول الجزء اليابس إلى كتلة صلبة تشظظت وتفتتت أيضا إلى الأرضين السبع ومن بينها كوكب الأرض الذي نعيش فيه وسائر الكواكب والنجوم والمجرات والسدم التي عرفناها من خلال الصور الفضائية، والله أعلى وأعلم.
شكوك حول تجارب التأكد من نظريات نشوء الكون
وإلى الآن لم يتمكن العلماء من حسم موضوع نشوء الكون بالإنفجار العظيم، فهم يقومون بالمزيد من التجارب والاختبارات والأبحاث ومنها تجارب المصادم الأوروبي الذي سيرد الحديث عنه لاحقاً، علهم يعثرون على أي نوع من الدلائل التي تساعدهم في معرفة بعض الأسرار الخاصة بولادة الكون. ومن هذه الاختبارات أيضاً، إطلاق المسبار «دون «وقد قامت به وكالة الفضاء الأميركية «ناسا «يوم الخميس في 27 أيلول / سبتمبر عام 1981 من كاب كانافيرال في فلوريدا باتجاه نيزك «فستا «ونيزك «سيريس «الأكبر حجماً بين النيازك التي اكتشفها العلماء، وذلك لمعرفة ما يمكن معرفته من أسرار حول ولادة النظام الشمسي وتشكيل النجوم.. وهذا وحده كاف لإثارة الشكوك حول عدم صدقية نظرية نشوء الكون بالإنفجار الكبير؟
* باحث في العلوم الكونية وتاريخ الحضارات