يقول علماء الدين أن الوقت في شهر رمضان كالكنز يجب أن نحافظ عليه، وأن نسعى لكسب كل لحظة فيه. فجميع تلك المشاهد والسلوكيات المرفوضة تخرجك من سوق الحسنات الذى سرعان ما ينقضي وقد ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر.
وأوضح العلماء أن السهر ليالي رمضان إما أن يكون على طاعة وعبادة وإما أن يكون على محرم، فإن كان على طاعة فهذا حسن ومندوب، لأن إحياء ليالي رمضان بالذكر والدعاء وتلاوة القرآن والصلا وغيرها من العبادات أمر مستحب خصوصا ليالي العشرة الأخيرة.
أما إن كان السهر على محرم من نظر أو سماع أو فعل ونحوه فهذا بلا شك محرم، والسهر بكل أصنافه إن أدى إلى تفويت واجب فكيف إن كنا في أواخر أيام هذا الشعر الكريم.؟!
{ بداية يقول د. عبد التفاح ادريس أستاذ الفقه المقارن كيف لا نغتنم ما تبقى من شهر الخير وفيه ليلة فضلها الله تعالى على غيرها، إذ قال جل شأنه: {ليلة القدر خير من ألف شهر}, فالعمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر, وقال علي وعروة: «ذكر النبي أربعة من بني إسرائيل. فقال: عبدوا الله ثمانين سنة, ولم يعصوه طرفة عين, فذكر أيوب وزكريا وحزقيل ويوشع بن نون, فعجب أصحابه من ذلك, فأتاه جبريل فقال: يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة, لم يعصوا الله طرفة عين, فقد أنزل الله عليك خيرا من ذلك, ثم قرأ سورة القدر, فسر بذلك رسول الله», وروي عنه أنه قال عن شهر رمضان: «فيه ليلة خير من ألف شهر, من حرم خيرها فقد حرم», وروي عنه أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا, غفر له ما تقدم من ذنبه», وفي هذه الليلة تنزل الملائكة من كل سماء, ومن سدرة المنتهى إلى الأرض, فيؤمنون على دعاء الناس إلى مطلع الفجر, أو أنه يكثر تنزلهم في هذه الليلة لكثرة بركتها, شأنهم عند تنزل البركة والرحمة, وقد روى عن رسول الله أنه قال: «إذا كان ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالى.
وقال: وقد اختلف العلماء في تعيينها, والصحيح أنها في العشر الأواخر من رمضان, على خلاف بين العلماء في تعيينها من هذه العشر, وقد روي أن رسول الله قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان, في تاسعه تبقى, في سابعه تبقى, في خامسه تبقى», ومن الخير للمسلمين ألا يعلموا وقتها من شهر رمضان, حتى يجتهدوا في العبادة فيه بغية إصابتها, بخلاف ما إذا علموا عينها, فإن هممهم تتقاصر على قيامها دون سائر ليالي الشهر أو العام, فتقل عبادتهم في غيرها, وهذا يتنافى مع ما قصد إليه الشارع, وقد روي عن النبي أمارات هذه الليلة, وأنها تبدو لناظرها صافية مضيئة, كأن فيها قمرا ساطعا, وأن الطقس فيها معتدل, وأن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها, كالقمر ليلة البدر, فقد قال رسول الله في ليلة القدر: «ليلة سمحة طلقة, لا حارة ولا باردة, وتصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء», وروي عنه أنه قال فيها: «إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة, كأن فيها قمرا ساطعا, ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر ولا يحل لكوكب يرمي به حتى يصبح, وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية, ليس لها شعاع, مثل القمر ليلة البدر», وإذا كان الدعاء مستحبا في كل الأوقات, إلا أن الإكثار منه في شهر رمضان وخاصة في العشر الأواخر منه وفي أوتاره مستحب, ومن الدعاء الذي يستحب الإكثار منه «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني», لما روي عن عائشة قالت: « يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أدعو؟, قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».
كريمة
{ بدوره يقول د. أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الفرائض والقربات يستلذها الصالحون ويجدون فيها السكينة لأنهم في مقامات إياك نعبد وإياك نستعين وهي مدارج السالكين، فكانوا يستعظمون الصلاة ويستغرقون فيها، وكان سلفنا الصالح رضي الله عنهم يعطونها بنفوس سخية، والشوق يغلبهم ويسحبهم، في رحلة الحج، وبالنسبة للصيام، فكانوا يعدونه بمثابة موسم المتقين، وميدان المتسابقين، والمغتسل الروحي، للتطهر من أوساخ الذنوب والعيوب، كانوا يعيشون كل لحظة فيه، إما بطاعة وإما بقربى، على منهج «فاستبقوا الخيرات»، ثم جاء على الناس زمان يستثقلون العبادات والقربات، فيؤدون الصلاة كسالى، ويخرجون الزكاة كارهين، ويترددون على الحج والعمرة، ويلجأون إلى تضييع الأوقات النفيسة والأزمان الشريفة في رمضان، إلى ما يناقضها من وسائل إماتة الوقت، وقديما قالوا لو يعلم الناس ما في رمضان، لتمنوا أن يكون العام كله رمضان، وننصح وننبه، على عدم تضييع الأوقات الرمضانية في اللهو والخمول، لأن ذلك يتنافى مع مقاصد الصيام. ويجب علينا جميعا أن نتذكر قول الله تبارك وتعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}.
وأضاف: إنه في زماننا هذا، نجد اللعب في الهواتف، والنوم الكثير بدون حاجة، ومشاهدة وسائل من الفنون سواء أفلام أو مسرحيات، أو تمثيليات، أو من باب »سل صيامك« وهذه عبارة خاطئة، لأن الصيام عند الصائمين الحقيقيين ليس ثقيلا أو مكروها حتى يقولوا نلجأ للتسلية، وآخرون يلجأون إلى السهر طوال الليل، والنوم طوال النهار، وأيضا من الناس من يؤدي عمله بضجر وضيق، بدعوى أنه صائم، رب صائم ليس من صيامه إلا الجوع والعطش، وبلا شك يقلل الدرجات لأن على قدر العزم تؤتي العزائم، و صلى الله عليه وسلم : (أحب العبادات إلى الله أحمدها (أشقها).
التوازن مطلوب
{ من جانبه يقول الدكتور سعيد عامر، أمين عام لجنة الفتوى بالأزهر، إن من لديه حيلة أو فكرة لتفويت يوم الصيام، فكيف يتلذذ بعبادة الصيام، فإذا نام فلا يستشعر حلاوة الإيمان ولم يتذوق طعمه، وكيف يكون ذلك وأنت تضيع الصلوات عن وقتها، فلا يجوز وقد توعدَّ الله تعالى على ذلك بوعيد شديد فقال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}، ومعنى غَيّاً: قال ابن عباس رضي الله عنهما: خسرانا، وقال قتادة: شرّاً، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم، فإذا نام الصائم ضاعت عليه الصلاة، وضاعت منه لذة الصيام.
وأشار إلى أن أدوات العصر الحديث تسرق الوقت وتجعل الإنسان يعيش وحيدا برغم الجلوس وسط الأهل والأسرة. وينبغي على الصائم أن ينظر في سبب تعبه وهو صائم، هل من العمل أو الصيام، أو ضعف جسده؟ فإن كان تعبه بسبب العمل، فعليه أن يوازن بين العمل والصيام والصلاة، يعني أن يخفف مجهوده في العمل أثناء الصيام، وإذا لم تكن مضطرا للعمل، ولم تستطع القيام بالصيام والصلاة وسائر العبادات مع العمل الشاق، فإنك تخفف من العمل خلال شهر الصيام. وهناك أصحاب أعمال يراعون الصائمين ويخففون عنهم الأعمال خلال الشهر.