شارك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في اجتماع الدورة الاعتيادية الرابعة والأربعين لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية.
وقدّم مداخلة عن الاوضاع الصعبة التي يمرّ بها لبنان والتحديات التي يواجهها المصرف المركزي، حيث اختصر المشهد اللبناني بسلسلة من الصدمات التي حدثت خلال فترة زمنية قصيرة، ابتداءً بأزمة السيولة وانعدام الثقة بالمصارف بعد اقفال أبوابها لمدة ثلاثة أسابيع في تشرين الأول الماضي مما أدّى الى الضغط على سعر صرف الليرة اللبنانية وتحويل الاقتصاد اللبناني الى cash economy، مروراً بقرار الحكومة وقف تسديد سندات اليوروبوند المستحقة بالدولار الأميركي، بالإضافة إلى جائحة «كورونا» التي أدت إلى تفاقم الركود في جميع القطاعات الاقتصادية، وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت الذي تسبّب بدمارٍ كبير في العاصمة اللبنانية، وأخيراً استقالة الحكومة. وقال سلامة: في خضم هذه التحديات الصعبة، اتّخذ مصرف لبنان التدابير التي تهدف إلى مساعدة الاقتصاد على الصمود، وحماية أموال المودعين في المصارف اللبنانية، ودعم الأعمال التجارية أثناء انتشار الوباء لضمان استمرار سوق العمل، وتقديم المساعدة للأفراد والشركات الذين تأثروا بانفجار المرفأ. ومن أبرز الاجراءات التي ذكرها في مداخلته قيام مصرف لبنان بإيجاد آليات من خلال تعاميمه للمصارف تسمح بتوفير الجزء الأكبر من السيولة بالدولار لأغراض استيراد المشتقات النفطية والقمح والأدوية والمستلزمات الطبية، بعدما اشتكى مستوردو هذه الواردات الحيوية من نقص الدولار، وأيضا دعم الصناعات اللبنانية من خلال إطلاق «صندوق الأوكسجين للاقتصاد اللبناني» مما يوفر حلاً دائمًا لاستيراد المواد الاولية، بالاضافة الى دعم أسعار السلع الغذائية الأساسية بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والتجارة مما ساهم في التخفيف من حدة الآثار التضخمية على المستهلك.
وتطرق سلامة الى «الدعم الذي قدمه مصرف لبنان لعملاء المصارف الذين تأثروا سلباً بعمليات الاغلاق نتيجة تفشي جائحة «كورونا» وأولئك الذين تأثروا بانفجار مرفأ بيروت وذلك من خلال انشاء آلية تسمح للمصارف بتقديم قروض استثنائية لا تخضع لأي فائدة أو عمولة، ويمكن سدادها على مدى خمس سنوات. وبلغت قيمة القروض الممنوحة للمتضررين من عمليات الاغلاق حوالي 400 مليون دولار اميركي، 18% منها مقابل قروض منحتها المصارف بالليرة اللبنانية و%82 منها مقابل قروض ممنوحة بالدولار الاميركي. واستفاد من هذه القروض ما يقارب الـ29000 توزّعت بين افراد ومؤسسات بهدف تسديد سندات مستحقة (74٪)، دفع رواتب (11%)، تغطية نفقات تشغيلية (9٪)، وتغطية حاجات انتاجية او رأسمال تشغيلي (6٪). أما القروض الاستثنائية الممنوحة للمتضررين من انفجار المرفأ فقد بلغت حوالي 100 مليون دولار.
المداخلة الثانية التي قدّمها سلامة تتعلق بموضوع «أثر تداعيات تغيّرات المناخ على النظام المالي والاستقرار المالي حيث قدّم عرضاً عن المبادرات التي قام بها مصرف لبنان منذ العام 2010 لدعم المشاريع البيئية والطاقة المتجددة وبالتالي المساعدة في مكافحة التحديات التي يفرضها تغيّر المناخ، ومن ضمنها آليات تمويل متكاملة تتيح للمصارف تمويل مشاريع الطاقة في مفهومي الانتاج والاستهلاك (NEEREA) والمشاريع البيئية (LEA) وأيضا مكافحة التلوث البيئي في القطاع الصناعي (LEPAP)، وذلك بمعدلات فائدة تتراوح بين الصفر والـ1% وبفترات تمويل طويلة الامد.
كما ذكّر بإطلاق برنامج الدعم التقني LEEREFF الذي تأتي من ضمنه تسهيلات ائتمانية بقيمة 80 مليون يورو مقدمة من البنك الاوروبي للتثمير EIB والوكالة الفرنسية للتنمية AFD، اضافة الى المساعدة التقنية اللازمة المتمثلة بالاستعانة بالعديد من الخبراء العالميين والوطنيين لتطوير العمل في الآليات الوطنية المعتمدة.
وبالنسبة إلى نشاط المجتمع المدني في هذا المجال، أشاد سلامة بمبادرة Lebanon Climate Act التي تكمل الحوافز المالية التي وضعها مصرف لبنان من خلال دعم المؤسّسات لكي تصبح مشاركة في مكافحة التغيّر المناخيّ ولمساعدة الحكومة اللبنانيّة في تحقيق التزامها بخفض الانبعاثات في لبنان بحسب المساهمات المقررة المحددة وطنياً الخاصة بلبنان. وأخيرا شدّد سلامة على دور هذه المبادرات في خلق سوق جديدة في لبنان، «فالاستثمارات التي سُجّلت في هذا القطاع وصلت الى ما يقارب الـ600 مليون دولار واستفاد منها أكثر من 250 مقترض كما خلقت حوالي 10 آلاف فرصة عمل جديدة بشكل مباشر أو غير مباشر نتيجة زيادة عدد الشركات العاملة في هذا القطاع والتي تخطى عددها الـ300، اضافة الى المشاريع التنفيذية الكبرى وتوجّه بعض الجامعات لتركيز اختصاصات مستقلة في هذا المجال».
دوكين: لن يحصلوا على كل أموالهم
فيما تلقّف المصرف المركزي الفرنسي بإيجابيّة تعميم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الرقم ١٥٤، والذي طلب فيه من المصارف «حثّ عملائها الذين قام أي منهم بتحويل ما يفوق مجموعه 500 ألف دولار الى الخارج خلال الفترة المبتدئة من تموز 2017، أن يودعوا في حساب خاص مجمّد لمدة، مبلغاً يوازي 15% من القيمة المحوّلة. ويُطبّق هذا البند على رؤساء واعضاء مجالس ادارة وكبار مساهمي المصارف وعلى الادارات العليا التنفيذية للمصارف وعملاء المصارف من الاشخاص المعرّضين سياسياً، إنما بنسبة 30% بدلاً من 15%».
أفادت وكالة «رويترز» أن المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات «سيدر» بيار دوكين أشار في محضر الاجتماعات المالية التي انعقدت في باريس مع جمعية المصارف، إلى أن المودِعين اللبنانيين قد لا يحصلون على كل اموالهم المودعة في المصارف.
وقال مسؤول فرنسي كبير لـ «رويترز»، إنه قد يكون من الصعب على البنوك في لبنان التمسّك بمبدأ ضرورة ألا يخسر المودعون أيا من ودائعهم، وذلك حسبما جاء في محضر اجتماع حددت فيه فرنسا لمساعدة القطاع المصرفي المصاب بالشلل.
فيما قال دوكين: «بينما هي مسألة مبدأ بالنسبة لجمعية مصارف لبنان أنه يجب ألا يتكبد المودعون أي خسائر، فإنه قد يكون من الصعب الدفاع عن هذا حتى النهاية. لكنها مسألة تفاوض».
وقال مصرفي لبناني كبير شارك في المحادثات لـ «رويترز»، إنهم شعروا خلال اجتماعاتهم مع المسؤولين الفرنسيين التي تناولت مبادرة الرئيس بأنهم يدعمون ازدهار القطاع المصرفي. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن المحادثات كانت جزءا من جهود تهدف إلى تنفيذ خارطة الطريق الاقتصادية للبنان.
وبشأن إعادة هيكلة جبل ديون لبنان الخارجية والداخلية، قال دوكين إنه يتعين اتخاذ مجموعة من الإجراءات. وأضاف أنه «لا يوجد حل سحري».
ويُظهر محضر الاجتماع أن ممثلي جمعية مصارف لبنان، ومنهم رئيس الجمعية سليم صفير، قالوا إن البنوك مستعدة للانضمام إلى «جهود جماعية» لحل الأزمة، وحددوا اقتراحات شملت تأييد إنشاء صندوق لحشد أصول الدولة.