اختُتمت فعاليّات مؤتمر «فكر17» المنعقد في الظهران، بالشراكة مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء»، بجلسة عامّة ثالثة تحت عنوان «المثقّفون العرب ودورهم في تجديد الفكر العربي»، ناقشت التحدّيات التي تواجه ثقافتنا، والمسؤوليّات التي تقع على عاتق المثقّفين العرب في نقد الفكر السائد، وفي التوعية والاستنهاض، وتبنّي ثقافة التطوير والتغيير، من أجل تحرير الفكر من المعوّقات التي تقيّده، ومدّه بالحيوية الخلاقة. شارك في الجلسة كلّ من أمين سرّ اللجنة التنفيذية سابقاً في مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت الدكتور يوسف مكي، والسفير الإماراتي السابق الدكتور يوسف الحسن، والأستاذ في جامعة محمد الخامس الدكتور عبد السلام بن عبد العالي، فيما أدار الجلسة الأكاديمي اللبناني الدكتور أنطوان رشيد سيف. وأكّد سيف أنّ المثقَّف المبدع يتجاوز اختصاصه وتميّزه في موهبته الشخصية، لرأب الصدع الأخلاقي.
واعتبر الدكتور مكي أنّ الخطاب الجديد المطلوب هو خطاب يتجاوز بوعيه السياسي حدود الجغرافيا، والوحدانية التاريخية، وتدابير الأنظمة ولوائحها البيروقراطية.
ولفت عبد العالي إلى أنّ الصراع الثقافي أصبح يدور حول إقرار نظام بعينه لإنتاج الحقيقة، إنّه صراع بين من يحاولون أن يرسّخوا في الأذهان أنّ الحقيقة قيلت منذ غابر الأزمان، وأنّها لا تُغزى غزواً، ولا تُكتسح اكتساحاً، وإنّما تدرك توّاً.
ورأى الدكتور يوسف الحسن أنّ الدور الفاعل للمثقّف العربي قد تراجع بسبب عوامل موضوعية وذاتية، من بينها الضعف في الحرّيات العامّة، والطلاق بين التنمية والثقافة، والانتماءات الأيديولوجية.
واختُتمت الجلسة بكلمة للأمير بندر بن خالد الفيصل، رئيس مجلس إدارة مؤسّسة الفكر العربي، شكر فيها باسم مجلس الأعضاء والأمناء خادم الحرمين الشريفين وولي عهده على دعمهما هذه المؤسّسة، وشكر الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، أمير المنطقة الشرقية، ونائبه الأمير أحمد بن فهد بن سلمان، الذين سخّروا مقدرات إمارة المنطقة الشرقية كلّها لخدمة مؤتمركم هذا، كما أتقدّم بالشكر للشريك الأساسي لمؤسّسة الفكر العربي وهي شركة أرامكو السعودية، وأخصّ بالشكر مركز الملك عبدالعزيز الثقافي (إثراء)، الذي يحتضننا في هذا المكان المميّز. وأودّ أن أشكر جميع المتحدّثين الذين أثروا المؤتمر هذا العام، وقد استنفدنا جميعاً من خلال ما طرحتموه في الندوات العامّة والمتخصّصة.
وكانت قد عُقدت الجلسة العامّة الثانية من مؤتمر «فكر17» تحت عنوان «الثورة الصناعية الرابعة»، أدار الجلسة الأمين العام السابق للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور معين حمزة، وشارك فيها المدير التنفيذي لمركز الإسكوا للتكنولوجيا في لبنان الدكتور فؤاد مراد، والرئيس التنفيذي لمجموعة ستاليون للذكاء الاصطناعي في المملكة الأردنية الهاشمية سامر عبيدات، والمهندس هشام بو زكري مدير البحث في الوكالة المغربية للطاقة المستدامة، ورئيسة المنتدى الوطني عن الثورة الصناعية الرابعة في فلسطين الدكتورة ميسون إبراهيم، ورئيسة وحدة أبحاث العوز الصناعي في مستشفى الملك فيصل التخصّصي بالرياض الدكتورة مها المزيني. وأوضح الدكتور حمزة أنّ مؤسّسة الفكر العربي اختارت محور الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي، استكمالاً لمبادراتها الهادفة إلى تعزيز الفكر العلمي. من جهته، أكّد الدكتور مراد أنّ الثورة الصناعية الرابعة هي دمج ما بين المعلومات العلمية والاقتصادية، وتمثّل الاندماج ما بين الاختصاصات.
وعرّف عبيدات الذكاء الصناعي بأنّه قدرة الأنظمة الذكية على استخدام البيانات والتنبّؤ بالمستقبل، فيما لفتت الدكتورة ميسون إبراهيم إلى أنّه يمكننا من خلال تطوّر الصناعات العالمية أن نتنبّأ بمجموعة من الفرص التي ستوفّرها هذه الحقبة.
ورأى بو زكري أنّ الثورة الصناعية الرابعة تختلف عن الثورات السابقة، فهي ثورة المعلومات، والمعلومة كنز لكنّه لا يستغلّ. وتطرّقت الدكتورة مها المزيني إلى القطاع الطبّي والطموح في الوصول إلى مرحلة التنبّؤ بالمرض قبل حدوثه، مشيرة إلى أنّ الوصول إلى هذه المرحلة يحتاج لوجود قاعدة بيانات. كما كانت قد عُقدت ثلاث جلسات متخصّصة، تناولت الأفكار الاقتصادية التقليدية في ضوء التجارب التنموية الناهضة، وانطلقت الجلسة الأولى تحت عنوان «نحو مفهوم جديد للتنمية» قدّم خلالها أمين عام المجلس الاقتصادي الأعلى سابقاً الدكتور ماجد عبدالله المنيف ورقة بحث بعنوان «منهج التنمية في رؤية المملكة 2030».
من جهته، أوضح الأمين العام لمنظّمة الأقطار العربية المُصدّرة للبترول (أوبك) عباس علي النقي، أنّ نظام الطاقة العالمي يعتمد في الوقت الحاضر بشكل أساسي على الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم)، وعلى مرّ السنوات الأخيرة المنقضية، شهدت إمدادات الطاقة المختلفة نمواً ملحوظاً في الحجم، إذ تمّ استغلال مصادر جديدة للطاقة، بما في ذلك مصادر الطاقة المتجدّدة، ممّا أدّى إلى حدوث تطوّر سريع في مزيج الطاقة وتنوّعها.
وركّز المستشار الإقليمي في البرنامج الإنمائي للأمم المتّحدة بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتخطيط الدكتور محمد مراياتي، على مفهوم جديد للتنمية يأخذ أبعاداً مهمّة في ظلّ التغيّرات التي يشهدها العالم حالياً.
من جهته، قال المدير التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط حمد العمّاري، أنّ أيّ مجتمع ناجح توجد فيه ثلاثة أضلاع متساوية: قطاع حكومي، وقطاع خاصّ، وقطاع مدني غير ربحي، مؤكّداً أنّ المملكة تدعم وتقود عملاً مبنياً على توازن هذه الجوانب الثلاثة.
بعدها بدأت جلسة «الاقتصاد الرقمي» التي شارك فيها مستشار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية الدكتور علي محمد الخوري، وكبير الاستشاريين في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الدكتور هشام بن عبّاس، والرئيس التنفيذي لشركة الإمارات للاتصالات المتكاملة عثمان سلطان، وشارك عبر (السكايب) الأستاذ في كلّية الحاسبات وتقنية المعلومات في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور عدنان مصطفى البار، وأدار الجلسة رئيس مجلس إدارة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الكاتب جمال غيطاس.
من جانبه، أشار الخوري إلى أنّ المعرفة والبحث العلمي والتعليم، فضلاً عن امتلاك المهارات البشرية ذات التخصّصات المعرفية الدقيقة، تُعدّ عناصر حيوية واستراتيجية، لا يمكن للمنظومات التنموية أن تكتمل من دونها.
ورأى هشام عبّاس أنّ السعودية وضعت استراتيجية للاتصالات الرقمية تنسجم مع الرؤية الوطنية 2030، متطرّقاً إلى استراتيجية قطاع الاتصالات التي ركّزت على البنية التحتية، والتقنيات التقليدية، والتقنيات الناشئة.
وعرّف الدكتور عدنان البار في ورقته مفهوم الاقتصاد الرقمي ومميّزاته، بأنَّه ذلك النَّوع من الاقتصاد الذي يقوم في مجمل عملياته على المعلومات، ويستند في أغلب خطواته على استخدام تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات التي ألغت كلّ الحدود والحواجز أمام تدفّق المعلومات والسلع والخدمات.
الجلسة المتخصّصة الأخيرة حملت عنوان «أيّ دور لهيئات المجتمع الأهلي في تجديد الفكر العربي؟» أدارها الرئيس التنفيذي لدار الحياة للنشر والتوزيع الأستاذ إبراهيم العلوي، فيما شارك نائب رئيس جامعة اللاعنف (أونور) الدكتور عبد الحسين شعبان بورقة بحثية حول المجتمع الأهلي، معتبراً أنّه يختلف عن المجتمع المدني الطوعي والذي لا يريد العاملون فيه الوصول إلى السلطة، كما أنّه لا يلجأ إلى العنف ويعمل تحت سقف القانون ولا يعارض الأنظمة السائدة، وإن احتاجت إلى تعديل أو تطوير.
وتحدّثت المديرة والمنتجة للبرامج هند طويصات عن مشاركة الشباب في هيئات المجتمع، وكيفية تعريفهم على حقوقهم.
وأشارت رئيسة لجنة شؤون البيئة المهندسة مها البغلي إلى أنّ المجتمعات تتطوّر بمدى تبنيها لمفاهيم الشراكة المجتمعية. وعرّفت الرئيس التنفيذي لشركة دروب البركة الوقفية سلاف بترجي المجتمع المدني على أنه ميدان تتعلّم فيه كل يوم، فهناك دائماً تحدّ جديد وإنجاز جديد. واختتمت الجلسة بتجربة غنية عرضتها المديرة العامّة الأولى لشركة باب رزق جميل للتوظيف رولا باصمد. وشاركت الرئيس التنفيذي لمشروع ضاد للكتب الصوتية منار العميري بتجربتها في تأسيس منصّة إلكترونية لنشر وتوزيع المحتوى العربي لكلّ باحث عن طرق تعليمية سهلة، هدفها إثراء المحتوى الإلكتروني العربي.
...والتوصيات دعت لإنشاء مجلس الشباب للتعليم الإثرائي والصندوق العربيّ للبحث العلمي
أوصى الشباب المشاركون في مؤتمر «فكر17» خلال الجلسة التي خصّصت لهم، وحضرها الأمير بندر بن خالد الفيصل، رئيس مجلس إدارة مؤسّسة الفكر العربي، والمدير العامّ للمؤسّسة البرفسور هنري العويط، بإنشاء مجلس الشباب للتعليم الإثرائي، وتأسيس الصندوق العربي للبحث العلمي.
استهلّ الجلسة المنسّق الدولي العامّ والمسؤول عن شبكة تثقيف الأقران الشباب الدولية ( (y-peer أنمار خالد، فدعا إلى إنشاء مجلس الشباب العربي للتعليم الإثرائي، بمشاركة أرامكو السعودية ومؤسّسة الفكر العربي، تتكوّن عضويّته وإدارته من الشباب العربي، للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم الإبداعية. وأوضح كيفية تنفيذ المجلس من خلال خمسة إجراءات: التدريبات الشبابية والمتخصّصة (التعليم الإثرائي)، التعاون من أجل مشاركات استراتيجية طويلة الأمد تعزّز مفهوم التعاون وتبادل الخبرات، مشاريع حوار للشباب ودعم استراتيجيات الإصلاح والسياسات التي تنهض وترتقي علمياً وثقافياً وتكنولوجياً بالشباب العربي، فضلاً عن دعم تبادل الزيارات الطلّابية في الجامعات العربية، بهدف تعزيز مفهوم التواصل العلمي بين أبناء الوطن العربي في مختلف التخصّصات، وتعزيز التطوّع التبادلي والخدمة الاجتماعية بين الشباب، من خلال الجمعيات والمؤسّسات الخيرية.
واقترحت سفيرة الشباب في مؤسّسة الفكر العربي ناريمان دخيل تأسيس (الصندوق العربي) للبحث العلمي والمبادرات المبتكرة، بهدف دعم أفكار الشباب وتشجيع طموحاتهم نحو الإنجاز العلمي والتكنولوجي، وذلك في ظلّ المعوقات والتحدّيات التي تعترض تنفيذ مبادراتهم وابتكاراتهم الإبداعية، وأكّدت على الحاجة لإعادة تعريف مفهوم النخب الثقافية، وتنويع قنوات المصادر الثقافية، فلم يعد التعريف الكلاسيكي للمثقّف مناسباً في العصر الحديث، ولا الكتاب هو المصدر الثقافي الوحيد للمعرفة. كما دعت إلى تأسيس منصّة جامعة للشباب تحتوي على المصادر الموثوقة للمعلومات التي ينهل منها الشباب في أبحاثهم ودراساتهم، ويشارك فيها روّاد الثقافة في الوطن العربي، وتصبح مكاناً لتلاقي الأجيال وتبادل الخبرات. واقترحت عقد مؤتمرٍ علمي يُعنى بالعلماء الشباب، لتقديم خبراتهم والتعريف بتجاربهم وابتكاراتهم في مختلف المجالات.
ودعا المدير العام لمؤسّسة التدوير من أجل التعليم في الأردن عبد الرحمن الزغول إلى تخصيص جائزة خاصّة من جوائز مؤسّسة الفكر العربي للشباب الريادي وأصحاب المبادرات، من أجل تعزيز انتماءاتهم، والاستفادة من منجزاتهم في تنمية الواقع العربي، وضرورة احتضان الشباب الذين فازوا بجوائز إبداعية بهدف تطوير ما تمّ تحقيقه من إنتاج علمي أو ثقافي أو فكري، ومساعدتهم في تحويل أفكارهم إلى واقع ملموس.