بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 شباط 2020 12:01ص إلياس خوري في «مجمع الأسرار» القبر وحّد الطوائف في لبنان

غلاف الرواية غلاف الرواية
حجم الخط
استوقفتني هذه الجملة أثناء قراءتي رواية «مجمع الأسرار» للروائي «إلياس خوري» والصادرة عن «دار الآداب» عام 2008 رغم ان الزمن مضى إلا أن «إلياس خوري» لم يغفل عن الكثير من التفاصيل التي تستند على حقائق تتوافق الآراء معها، خاصة مع من عاشوا الحرب الأهلية اللبنانية وما قبلها، لان تاريخ لبنان ما بعد الحرب الأهلية يثير الكثير من الجدليات، إذ لا يوجد كتاب تاريخ موحّد لتلك الفترة بما فيه الكفاية، وحدها الرواية اللبنانية وثّقت جرائم المليشيات والجماعات المسلحة، وبما يكفي لتترك المخيّلة تغوص في ذاكرة روائية فاعلة على جميع الجهات دون إخفاء للماضي، لكن تبعا لرؤية الروائي ووفقا للبناء السردي الذي يلعب فيه فن الخيال قدرة على التنشيط التاريخي الذي يستمدّ من الحرب واقعا حكائيا غمره الروائي «إلياس خوري» بمعرفة الماضي، وبالتداخل وبالقوة الواقعية لما ذكره في الصفحات الأولى من هذه الرواية «مجمع الأسرار» «إن كنت رأيت ما ذكرت فقد رأيت عجباً، وإن كنت ما رأيته فقد وضعت أدباً» وهو قول منسوب لهارون الرشيد. وبهذا فقد وضعنا بداية أمام رؤية تدهش القارئ، وتجعله يعيده الى الزمن الذي نحياه أكثر من مرة في حياة واحدة هي حكاية مشحونة ببُعد تاريخي جوهري، وبمعادلات التاريخ الذي يسمح بتسميتها رواية الحرب من وجهة نظر روائية أو الفن المتخيّل لواقع الحرب اللبنانية ومؤثراتها الإنسانية منذ عام 1948، وكيفية عيش البسطاء من الناس الى عام 1976، بايماءات مجازية تضعنا أمام قساوة المتخيّل الذي يستدعيه ماضي الشخوص وحيرتهم من سلوك بعضهم البعض في الأزمات الحقيقية التي يتعرّضون لها الأموات قبل الأحياء. فهل المضحك المبكي في «مجمع الأسرار» هو معنى كلمة سر وتفسيرها تبعا لقواميس اللغة أم في دفن الجثة المنتفخة في مقابر الأخوال لطائفة أخرى؟

تجذّر التاريخ في رواية «إلياس خوري» وتغلغل في حيوات الأشخاص والذاكرة التي ترتكز على الحكاية التي تصبح أرض الانتماءات للتغلب على فن الخيال الروائي بالسرد الذي يستجيب لخصائص الواقع في فترة ما زالت تحمل بصمة سخرية قاتلة هي سر إبراهيم نصار الذي عاش مع عمته التي لم يعرفها سوى كهلة، وبالتالي تبقى الصورة العالقة في الأذهان منذ البداية الى النهاية هي صورة إبراهيم نصار وحنا السلمان والمرأة المشتركة بينهما، إذ يكسر خوري المحظور ويضعه في خانة مجتمعية تنهار فيه الكثير من الأسس أثناء الحرب بعيداً عن الأسلوب التقليدي وعن الانجراف خلف المتخيّل دون اهمال واقع الحرب ومؤثراتها على الإنسان وعلى الجغرافيا أيضا، وبهيكلية سردية تمثل الذاكرة المفقودة من تاريخ لبنان المعاصر ووفق القيم والموروثات التي تلاشت وبقيت بعض آثارها حتى الآن من تناقضات في الموازين الحياتية التي شكلتها الحرب الأهلية نفسها قبل الاعمار. فهل من رؤية خاصة لنتائج كثيرة ظهرت في الرواية وفي الحياة معا بعد عام 2008؟

ما إن يخرج الإنسان من حرب بطيئة يدخل في حرب أخرى، والتخبط ينشأ من مراحل التوسّع المتعثرة بالكثير من الركود الذي يعكس حقيقة الحروب وتأثيراتها الاجتماعية التي تكرر نفسها من انهيارات للقيم الانسانية المتعلقة بحقوق الإنسان، السجين منها أو اللقب الذي يتخذه الناس بديلا للاسم الحقيقي، كما حدث مع بطل الرواية «حنا السلمان» وتغيّرات الاسم الى «حنا المالح» نتيجة تعرّضه لانتهاك حقوقه أثناء التحقيق معه، فمحو الأسماء كما محو الأماكن ومحو الحقائق «وتغيّر الأسماء هو من أهم القضايا التي يطرحها الجنس البشري على نفسه. فعائلة السلمان هي فرع من عائلة البارودي التي هاجرت من شمال لبنان الى بيروت»، وبهذا يضعنا الروائي «إلياس خوري» أمام الكثير من العقبات الحياتية من الحرب والتغيّرات بعد الحكم العثماني، وفقدان العملة الورقية لقيمتها بعد ان انتقلت من الليرة العثمانية الذهبية الى ورق الكدش كما أسماه. كما انه جمع بين الأدب العالمي وماركيز وبين الأدب اللبناني في مقاربات تركها للقارئ كي يشعر ان الحكايا في العالم تتشابه مع الحكاية اللبنانية، لان الحرب هي الحرب في كل زمان ومكان، وبجمالية روائية عمد من خلالها خوري الى تفكيك الأحداث ووضعها في ذاكرة استمدّت موضوعها من رجلين وامرأة شاركت كل منهما حياتهما دون أن ينهي الحكاية نهاية مقفلة، بل بقيت الحكايا مفتوحة مثل قضية النساء في شارع المتنبي والتعذيب الذي وقع فيه «حنا المالح» بسببهن وهو البريء، كما قضية التهريب في الملفوف. فهل جمع الأقوال التاريخية من الألسن ليضعها في حكاية تحت عنوان «مجمع الأسرار»؟ وهل الرواية هي وثيقة تاريخية يمكن الاعتماد على تفاصيلها بمصداقية حافظ عليها إبراهيم في الصندوق الذي أغلقه، ليقع في فراغ الحقيقة والشك الدائم بتاريخ العائلة كما الشك بالقصص غير المؤكدة. فهل يكفي ترتيب الأحداث المتجانسة وفق تناقض السرد؟ وهل فن الخيال هو نفسه الحقيقة؟