هذه جملة لا تخلو من حكمة فلسفية صحيّة. فالضحك يلين الجسم ويؤثّر في الأجهزة تأثيراً يمنع التشنّج الذي يعيق حركتها، ويجمّل الوجه ويزيد نشاط البدن ويمكّنه من تأدية وظائفه الطبيعية على أحسن وجه وأجمل قصد.
وللضحك تأثير بالغ في حياة المرء. فالبشاشة تكسو الوجه إشراقاً، والمرح يؤثّر في طباع الإنسان وميوله، فيصبح أنيساً وديعاً ليّن العريكة، لطيف المعشر. أما ذاك الذي يبقى دائم العبوس، فتكتسب أخلاقه الضيق والإنقباض، فتمسي نفسه كوجهه منقبضة مكتئبة حزينة.
شركات السينما العالمية تغالي في اختيار الممثلين الهزليين، وتغدق عليهم ملايين الدولارات، لإعتقادها انهم خير واسطة لجذب الجماهير ولتخفيف هموم النّاس وإحتقانهم.
حتى عندنا نحن العرب، كان للدماء والمضحكين مقامٌ رفيع بين كثير من الخلفاء والأمراء ونوادر أبي نواس نديم هارون الرشيد، واسعة الشهرة في عالم الأدب.
وبعد حقبات مظلمة، عاد أدبنا إلى الإشراق ونزع أدباؤنا إلى الأدب الضاحك، فأكثروا من النكات الكتابية والمسرحية التي أقل ما يقال فيها انها تجلو صدأ الفؤاد وتقصي الملل والسآمة عن المطالعين والسامعين والمشاهدين، وتبعث فيهم المرح والغبطة والابتهاج.
ينبغي لنا أن نشكر أولئك الذين يذوبون كالشموع لينيروا ما يحيط بهم من ظلمات ويجودون بالنكتة حين تلوح لهم، لا يؤخّرونها ولا يأبهون لما قد تحدثه من تأثير، فصراحة الفن والأدب تحتّم عليهم أن يقذفوا بكلماتهم سواء أرضت أم أغضبت!
النكتة من الضرورة بمكان حتى بالنسبة إلى المسؤولين والنافذين. انها من طبيعة البشر وإشارة إلى ذكائهم. النكتة متنفّس أساسي للشعوب، وقد أدرك هذا كبار من الزعماء في العالم العربي، النكتة تتجلّى حلاًّ ولو مؤقتاً لأزمات مزمنة من مثل أزماتنا الموصولة بل المتفاقمة. أوليس الأَولى ببعضهم أن يكرّموا أولئك الذين «يصّفون» عدوانية الإنسان الطبيعي - والزعيم لديه هذه العدوانية أحياناً أكثر من سواه - بدلاً من حمله ذلك الإنسان على التعبير عن عدوانيتهم بل حقدهم في صندوق الاقتراع؟
هل يعلمون ان كبار المستبدّين في العالم أمثال هتلر وموسوليني، لم «يصفوا» عدوانيتهم في طفولتهم، فارتدّ ذلك هدماً ودماراً للبشرية؟؟!
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه