تتساءل وانت تقرأ رواية «لن أغادر منزلي» الصادرة عن «دار نوفل» للروائي «سليم البطي» عن زمن السلام المتحجر او المنتظر وهو يغط في سبات شتوي. اذ يخرج طفل التفاحة من الازقة ويهرول نحو المجهول دون ان يدرك ان الحروب استنزفت الاجيال من بعده. ففي الرواية يظهر الارتباط الشديد بين الوطن والام في الكثير من القضايا اللاشعورية والتي تلمس جراح الانسان ما بعد الحروب او نتائج صراعات البشر ضمن رواية هي مشهد حالي لأمة عربية ما زالت تعاني من الجراح والمآسي والامراض ما يجعلها في حالة مرضية مستعصية.
ومع الروائي سليم البطي اجريت هذا الحوار:
{ هل تنتقد المشهد العبثي السوري وهل هذا خاص بسوريا؟
- لا أعتقد أنّني من هواة النقد وتحديدًا السياسيّ. لم أفكّر يومًا في أن أكتب لأنتقد حالة معيّنة في المجتمع. وبالعودة إلى الرواية، سيلاحظ القارئ صورة مصغّرة عن الشارع العربيّ بشكلٍ عام مُستخلصة من واقعنا. نعم المشهد السوري واحدٌ من التفاصيل المهمّة التي تكدّس الرزايا في يوميّاتنا، ولكن بالمقابل سنجد تجسيدًا للشارع اللبناني في زمن الحرب الأهليّة وفي الزمن الحاضر، ناهيك عن التطرّق للأزمة العراقيّة بعد الاحتلال.
{ لن اغادر منزلي والخروج قسرا بات مشرعا في زمن الثورات ما الجديد؟
- عليّ أن أسال هذا السؤال. فعلًا ما الجديد؟ هل ثمّة ما هو جديد في حياتنا؟ لا أعتقد، لذلك فمسألة الهجرة القسريّة أو حتّى الإراديّة هي مشكلة تؤرّق الكثير ولم نستطع في زمن ما قبل الصقيع العربي (لم أرَ ربيعًا يُذكر)، وخلاله وبعده أن نتخلّص من مأزق المغادرة وترك منازلنا وذكرياتنا وذواتنا. لطالما شغلني موضوع التنحّي عن الوطن والانعجان في دقيق الغربة غير منخول الوجع. ربّما لأنّني أحد ضحايا الهجرة التي حنّطتني بالانهزام وفتّقتني ألف مرّة وأعادت خياطتي بإبرة الوحدة بعيدًا عن بيروت التي كانت ملهمتي في رواية لن أغادر منزلي.
{ ملأت الرواية بتصوير جمالي ملفت رغم مآسي ما تطرحه الم تخف من القارىء؟
- بل خفت على القارئ وليس منه. ففي الوقت الذي كانت مجمل حوارات وأحداث الرواية مأساويّة ومزنّرة بالأواجع، أتت اللغة لتحصر القارئ بين هلالين، اللغة المشحونة بالألم والحدث نفسه الصارخ من بين الأسطر وهذا فعلًا ما وصلني من القرّاء الذين تفاعلوا مع الشخصيّات وصدّقوا تفصيلات العمل سواء كان الحدث سياسي أو اجتماعي أو أسري.
{ ما اكثرهم الاباء والايتام سواء لماذا هذا العتب الروائي المشحون بالكثير من التبطين؟
- في وجداني عتب كبير على الحياة بشكلٍ عام وعلى البشر بشكلٍ خاص حتّى وإن كنّا نحن من نحفر مجرى الحياة بإزميل القسوة. لم أحاول أن أبطّن شيئًا، على العكس... أشعر أن أفكاري كانت مباشرة ما أزعج الكثير. فعلى سبيل المثال، عديد القرّاء لم يتقبّل فكرة عرض صورة الأم وتشخيصها بهذا الشكل السلبي. وهذا شيء محزن لأنّ الأم في النهاية بشر والبشر خطّاء بطبعه فأردتُ من خلال الرواية معالجة هذه المشكلة وتقريب القارئ من الصورة الحقيقيّة للإنسان بمعزل عن مكانته الاجتماعية أو الأسريّة أو إلى ما ذلك.
{ لعبة فنية روائية مدروسة بدقة فيها الكثير من الدهاء للترغيب والتأثير بالقارىء ام اعتبره تكنيك خاص بك؟
- صدّقيني لم أكتب في مشواري الأدبيّ القصير كلمةً واحدةً لترغيب القارئ في نتاجي. أكتب بصدق يصدمني أحيانًا. أذكر اليوم الأوّل بعد توفّر الرواية في المكتبات. قرأتها ودخلتُ غرفتي ولم أغادرها لأيّام. جملة وحيدة ردّدتها مع ذاتي، «ماذا فعلتُ بنفسي؟».