بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 آب 2019 12:29ص الشاعر إلياس لحود لـ «اللــــــواء»: الجوائز تُعطى لمن لا يستحقها

كنّا في إتحاد الكتاب نتبرّع لمحمد عيتاني وجورج جرداق وسلام الراسي

الشاعر إلياس لحود الشاعر إلياس لحود
حجم الخط
شاعر منذ الطفولة، عواطفه ربّيت في الجنوب اللبناني فبقي جنوبياً صافياً، قصائده الفصحى والمحكية تتميّز بكثافتها، بمتانتها وبفكاهتها التي تحمل معها ألماً عميقاً، هذه الأمكنة يلعب فيها إلياس لحود ليُخرجنا من المتاح المؤلم الى الممكن البهيج برشاقة لغوية ساحرة، إهتمامه الشعري سياسي بالدرجة الأولى منذ بداياته، وهو إذ يتجدّد بين كل مجموعة شعرية سالفة ومجموعة شعرية جديدة ليكون إلياس لحود آخر، إلياس لحود الذي يتجدّد دوماً.. كان لجريدة «اللواء» الحوار التالي معه:

{ ما الذي يحرّك الشاعر إلياس لحود للكتابة؟
- أول ما يحرّك الشاعر هو نبض الشاعر، هذا النبض ليس ملكاً لأحد، يقول هايدغر: «عندما ينبض الشاعر يبدأ عنده النغم الأعظم»، هو نغم الحياة، نغم الوجود، والله ليس مستقلاً عنه، وأنا أحمل فكر الحداثة ونقد ما بعد الحداثة السلبي، أصبحت في مرحلة ما بعد ما بعد الحداثة، أنا أتجدّد من الحداثة كل لحظة الى ما بعد الحداثة، أعتبر نفسي تلميذ هايدغر وهو الذي يعاونني.
{ حدّثني عن حركة شعراء الجنوب، هل تجد نفسك منتمياً لتلك الدلالة اللغوية لـ «شعراء الجنوب»؟
- هي جماعة كانت تتكلم حسب إنتمائها الجغرافي، وكان المجلس الثقافي الجنوبي برئاسة الشاعر حبيب صادق يتابع تحقيق هذا العمل بغيرة ومسؤولية، وتمّ في بيتي هنا في بيروت في هذه الغرفة إجتماع لـ 12 شاعراً من شعراء من الجنوب من بينهم جوزيف حرب وحبيب صادق وحسن العبدالله وعصام العبدالله، وكان لنا كتاب مشترك إسمه «وكل الجهات الجنوب»، وقد أطلقنا الاسم على الكتاب حسن العبدالله وأنا، أنا شاعر من كل العالم أنا شاعر منتمٍ الى العالمية والإنسانية بما فيها أرض الجنوب. ولكن للأسف الجنوب يتبدّل بين الأسود والأبيض، عواطفي ربّيت في الجنوب ولا يمكنني أن أعيش خارجها..
{ أنت من مؤسّسي الحداثة الشعرية التي حلّت في المحكية مع ميشال طراد وعصام العبدالله والأخوين الرحباني وطلال حيدر وآخرين، هي حداثة توازي الانتقال من القصيدة العمودية الى قصيدة النثر، كيف تنظر الى مفهوم الحداثة وما بعد الحداثة في الشعر العربي المعاصر؟
- نحن اجتزنا مرحلة الحداثة التي وضعت شروطاً قاسية، والتي حاولت أن تهدم كل ما كان قبلها، وخرج عبرها مفكّرون عرب يقولون إن الحداثة ليست نقلاً عن الغرب بل نقلاً عن أنفسنا عن الزمن الذي يحتاج الى التغيير، النص الآن يحمل جديّة وثقافة عميقة تتألف من العلوم الإنسانية والفلسفات ومن الإبداعات العظيمة ومن الدور الكوني، ما بعد الحداثة انتقدت الحداثة لأنها كانت قاسية جداً وهم على حق لأنها وجدت لتحرّرنا لا لتخيفنا.
{ لماذا ابتعدت عن الجوائز؟
- إبتعدت عن الجوائز لأن فيها كما يُزعم غش وكذب وتوصيات، لا أريد أن أتواضع، كُتب عن شعري الكثير خصوصاً أطروحات دكتوراه، لكن الجائزة تعطى لمن لا يستحقها، إنهم يعطونها على قاعدة من معنا ومن ضدنا في السياسة، يكون أفضل إذا أضحكك الشاعر وكان ضدك، لماذا تريد للشاعر والكاتب أن يكون عبدك؟
{ هل من خطأ تعدّه كبيراً إرتكبته في مسيرتك الأدبية؟
- لم أعتنِ بجسدي كما يجب مع أني رياضي، لم أعتنِ أن يكون عندي بيت، لديّ مكتبة فسيحة في بيروت، لا أعرف قانون الإجارات أين سيرمينا؟! ليس أصعب من أن تنتظر آخرتك، أنا محتاج أن يكون عندي بيت ككل شاعر، ككل مخلوق، هذه ليست حياة التي حكمونا بها بهذا الشكل، ندمي أنني لم أكن أعير المادة إهتماماً.
{ إذا الشعر لا يطعم خبزاً؟
- نعم لا يطعم خبزاً، أليس حراماً أن يصل الشاعر والكاتب الى وضع سيئ، مشكلة الكاتب والشاعر في لبنان لا يأتي حلّها إلا عن طريق إنسان كبير كما يزعم يعرف من هم الشعراء الذين تركوا الكثير ولا يستحقون النكران. يجب أن يرتفعوا الى مستوى النص، النص هو ثقافة مستويات متعدّدة من الثقافة، ولكي يفهم الشعراء بما كتبوا وأعطوا من ابداعات على السياسي والحاكم والمتولّي مصير الناس أن يفهم هذه المستويات من ثقافاتهم فيتجه منها الى مطالبيهم والى ما ينقصهم في مجتمع لبناني يدّعي بأنه مجتمع حضارات ودول متمدنة.
{ حدّثني عن بيروتك، بيروت ستينيات القرن الماضي والآن، ماذا ينقصها الآن، وماذا أعطتك بيروت ما لم يعطك إياه الجنوب؟
- ولدت في الجنوب، وكنت صغيراً حين جئنا الى بيروت، كانت بيروت أجمل وشعبها كان أجمل، أنا أشفق على شعبنا العظيم، لم نكن نشعر ولا نفكر إذا كان الشخص الذي نتحدث معه مسلم أو مسيحي، أنا أنتمي الى الجنوب الصحيح العظيم الذي كله حزن ووجع، كنا نضحك أنا وعصام العبدالله على أحوالنا، خسرنا عصام وجوزيف حرب، خسرنا أحسن ما عندنا، خسرنا الصدق لم نعد صادقين وأصبحنا نفتش على من معه مال أكثر، فسدنا، أنا كتبت عن الجنوب الصادق الذي يحب بعضه، ربّينا على محبة الجنوب، أما بيروت فهي تعطيكِ الحضارة وقادرة أن تعطيكِ إياها لكن إذا لم تأخذي من بيروت الكمية التي يجب أن تأخذيها ستخدعك بيروت وستزفك ولا تسأل عنكِ، أليس من العيب أن يخرج كلام أن بيروت ترمي كتّابها وشعراءها، عندما تكلمت عن محمد العيتاني كنت أشعر أني لا أتجرّأ أن أقول أن بيروت رمته، كان يجب معاملته بشكل أفضل هو وجورج جرداق وسلام الراسي وكتّاب كبار وصحافيين كبار. كنا في إتحاد الكتاب نتبرّع لهم، أين أصبح إتحاد الكتاب الآن؟!
{ هل عشت حريتك كمثقف وكشاعر؟
- نعم حريتي قوية كثيراً، لا أخاف، لا تخافوا من الكاتب الذي ينبش الأشياء، خافوا إذا نبشها وبقي فيها رطوبة وفيها بشاعة، على الكاتب أن يقوم بعملية التفتيش المعرفي من حفر الأشياء ولا يكتفي بما يحدث أمامه، خاصة على صعيد ما يسمّى المقدّس والمدنّس، ما هي قيم وشروط المقدس، ليس الإنسان من سيضع لي شروطاً، وليس المقدّس من يحدّد المدنّس ليتقاتل معه، لم نصل بعد لنصير شعوباً تأخذ حريتها على مستوى المقدّس والمدّنس، لقد خرجت بفكرة نقدية عن ابن الحلال وابن الحرام، النص هل هو ابن حلال أو ابن حرام، ابن الحلال أخلاقياً هو ضرورة فكرية إجتماعية تربوية مهمة جداً للأوطان، لكن بالنسبة للنصوص، ابن الحرام هو الأكبر والأقوى، إنهم لا يدعوننا نأخد مدانا بالتعبير لأن هناك شروطاً لابن الحلال، مجبورين أن نقبض اللغة كذا وكذا، أن نقبض الشعر كذا كذا، لماذا يحق لنا أن نقول شعرية الرواية ولا يحق لنا أن نقول شعرية النقد، ألا يحق للنقد أن يكون شعرياً، دائماً تُفرض لغتنا علينا فرضاً، نحن لدينا الكثير من الأفكار، نحن محتاجون لرأسمال فقط، لدينا الرأس الكبير فيه شعر وفلسفة لكننا نفتقر الى المال، ماذا فعلنا للمثقفين والأدباء والشعراء والروائيين والفلاسفة والنقاد، لماذا نهرب من واجبنا، على الأديب أن يكون لديه غيرة وأن لا يكون ملتزماً ، أن يحكي كل شيء بوضوح وبحرية، أن يكون حراً ولا يخاف.. لماذا تخيفكم الحرية؟؟

حاورته: دارين حوماني