بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 شباط 2018 01:03م القضاء على القلق والندم... الخطوة الثانية نحو التنوير الروحي

حجم الخط

يتضمن كتاب "قوة الآن" أو The power of now السر الذي يسعى جميع البشر بلا استثناء إلى بلوغه خلال حياتهم الدنيا، فمن منا لا يريد الوصول إلى السلام النفسي الكامل، والسمو فوق جميع مشاكل الحياة، وأن يضع قدمه على الطريق الصحيح للعلاقات الاجتماعية والعاطفية، أن يضع قدمه على الطريق إلى الله.

 إيكارت تحدث تول عن أكبر العوائق التي تقابل الإنسان في مسعاه لتحقيق حالة التنوير الروحي، وتناول طرق عملية للتحرر من سيطرة العقل والتفكير الزائد، للوصول إلى مرحلة السمو فوق الأفكار أو ما يعرف بالتفكير الزائد، ليصل في نهاية الفصل إلى التأكيد على حقيقة المشاعر وأنها ما هي إلا ردة فعل الجسد على ما يدور في العقل من أفكار.

في الفصل الثاني من الكتاب يتعمق المؤلف في التشديد على أهمية عيش اللحظة الحالية فقط بكامل الحواس، والأهم من ذلك أن نحيا اللحظة الحالية بروحنا وليس فقط بأجسادنا، إذ أن ذلك يعد أحد المداخل العظيمة للتخلص من الألم والمعاناة التي تتراكم على مر السنين لتشكل ما يعرف بجسم الألم، الذي تحد مع الأنا، أو الذات المزيفة للإنسان لزيادة نار معاناته، ثم ينتقل الكاتب للحديث عن أصل خوف الإنسان وأسبابه الحقيقية.

​يبدأ تول بتوضيح أن المشاكل لا تظهر في حياة الإنسان إلا بسبب تفكيره أي أن عقله هو من يخلق تلك المشاكل، وذلك لأن العقل يخلق هذه المشاكل بسبب رفضه ومقاومته لأن يحيا في اللحظة الحالية، وكلما زادت تلك المقاومة كلما زاد حجم المشكلة والمعاناة التي يشعر بها الإنسان، وهو ما يعيدنا لفكرة تطابق الإنسان مع عقله التي عرضناها في الفصل الأول.

ما يحدث أن مقاومة العقل للحظة الحالية تجعله إما في معاناة دائمة بسبب القلق مما سيحدث في المستقبل أو في ندم مستمر عما قاله أو فعله في الماضي، وأطلق الكاتب على المستقبل والماضي مصطلح "الزمن النفسي"، وهولا يعترف بوجود الروح أو الذات الحقيقية للإنسان، التي ترى في اللحظة الحالية مصدر القوة والحرية والحياة الحقيقية، في حين أن العقل وما يخلقه من ذات مزيفة أو ما يعرف بالأنا يتغذى على هذا "الوقت النفسي".

ويؤدي تراكم المشاعر السلبية على مدار سنوات عمر الإنسان، وحمل هموم المستقبل ومعانات الماضي، إلى خلق ما يعرف بـ"جسم الألم" الذي يسكن جسد وعقل الإنسان ويوهمه مع مرور الوقت بأنه جسمه الحقيقي في حين أنه مجرد شبح ظلامي يختفي عند إنارة وعي الإنسان بذاته الحقيقية.

للأسف عندما يتحكم جسم الألم في تصرفات الإنسان تجد أن له رغبة غير معلنة في مزيد من الألم والإقبال على المعاناة، بل والشعور بأنها طبيعة هذه الحياة وما يستحقه الإنسان منها، تأتي هنا أهمية الحضور أو الوعي لمكافحة جسم الألم، فعندما تنتبه إليه وتراقب ما تشعر به إثر سيطرته عليك، يبدأ الانفصال عن الألم والمعاناة، فلتجرب أن تسأل نفسك ما هي مشكلتك الآن، ليس بعد عام أو يوم أو 5 دقائق، بل في اللحظة الحالية، في الغالب ستجد صعوبة في الإجابة العثور على مشكلة أو سبب لمعاناتك في اللحظة الحالية.

إذا كانت تنعم باحتياجاتك الأساسية من مأكل وملبس ومسكن وأمان في اللحظة الحالية فأنت لا تعاني من مشكلة على الإطلاق سوى في عقلك الذي يجذبك للندم على الماضي أو القلق بشأن المستقبل وكلاهما وهم كبير، إذ أن الماضي لن يعود، كذلك لا أحد يضمن قدوم هذا المستقبل من الأساس.

ينتقل بنا الحديث في هذا الفصل، عن أحد أكبر مسببات المعاناة في حياتنا وهو الخوف، يفرق تول في هذا الصدد بين الخوف من خطر قائم في اللحظة الحالية، وبين الخوف من المستقبل، فالأول فطرة أصيلة في نفس الإنسان لا بأس منها بل أنها تجنبه كثير من الأزمات، أما الخوف من المستقبل فيتخذ أشكالا عديدة مثل التوتر وعدم الارتياح والعصبية والقلق، وهي بالتأكيد ظواهر غير صحية تعمل في عكس صالح الإنسان تماما.

عندما تتولى الأنا أو الذات المزيفة إدارة حياتك يصبح الخوف من المستقبل بمختلف أشكاله عادة يومية، فالأنا دائمة الشعور بالتهديد والخوف والقلق، فإن كانت هي ذات مزيفة فإنها دائما ما تخشى أوهام لم تحدث بعد، مثل الخوف من الفشل والخوف من الفقد والخوف من الإيزاء النفسي والجسدي.

​عندما تجلس في مقعد المراقب والمشاهد على المنطق الذي تتبناه الأنا في إدارة الأمور، ستكتشف أن جميع أسباب خوفها غير منطقية، فمن ينجح في الانفصال عن سيطرة عقله وذاته المزيفة "الأنا"، يصبح على اتصال بذاته الحقيقية، وروحة التي لن تخشى الفقد ولا الفشل ولا حتى الموت، لأنها خالدة آمنة مطمئنة.

أحد أخطر مشاكل سيطرة الأنا، هي الاحتياج المستمر، والشعور بالنقصان الدائم، ما يجعلها في سعي متواصل للحصول على احتياجات مادية لا تلبث أن تحصل عليها حتى تستزيد من احتياجات أخرى، وهذه الحالة في حد ذاتها أكبر عائق أمام الشعور بالسلام الداخلي الذي يعد الرضا أحد أهم أركانه.

قد تجد حتى الآن صعوبة في الوصول إلى حالة الاتصال بالروح والذات الحقيقية والانفصال عن الأنا والأفكار المرضية، إلا أنك آجلا أو عاجلا ستنجح إن أردت القضاء على معاناتك وألمك الذي لا توجد له مبررات سوى في عقلك وما اعتاده من أنماط تفكير.

في الفصل الثالث سيتناول الكتاب حديثا أكثر تفصيلا عن مفهوم "الوقت النفسي"، وكيف أننا في واقع الأمر ليس لدينا أي مشكلات حياتية سوى في مجال "الوقت النفسي"، كذلك سنتعلم كيفية التفرقة بين الحياة نفسها وما يعرف بموقف الإنسان من الحياة.