كان القنصل الفرنسي في بيروت هنري غيز من القناصل الناشطين في المنطقة ونظراً لانتشار الطاعون في عام ١٨٣٤ في اوروبا واستانبول وإزمير وقبرص ومصر وسواها فقد طلب القائد المصري ابراهيم بن محمد علي باشا من هنري غيز وبقية القناصل الاجانب المساعدة في حماية البيارتة واللبنانيين والجيش المصري من وباء الطاعون وذلك باقامة محجر صحي.
وبالفعل فقد تداعى قناصل فرنسا والنمسا والدانمرك واسبانيا واليونان لاقامة الكرنتينا بالقرب من جامع الخضر وذلك لمنع الركاب القادمين من البلاد الموبوءة من النزول الى الاسواق والفنادق بل كانوا يؤخذون من مرفأ بيروت المحروسة مباشرة الى غرف العزل التي اقيمت في تلك المنطقة وذلك لمدة اربعين يوما ومن هنا اتت التسمية كرنتينا.
وكان هدف عزل الركاب عدم انتشار الطاعون في بيروت المحروسة وبقية المناطق.
مرفأ بيروت المحروسة أهم منفذ للواردات والصادرات لأسواق بيروت
يقول القنصل هنري غيز بان القائد المصري ابراهيم باشا منح اللجنة الطبية سلطات وصلاحيات واسعة جدا ومطلقة وبفضل جهود اللجنة والقناصل فقد تم التوصل الى حماية البيارتة وبقية اللبنانيين وبلاد الشام من وباء الطاعون المعدي.
لقد كانت الاصابات بالطاعون كثيرة بين المسافرين القادمين من الخارج لذلك لم تستطع اللجنة استيعاب الاعداد المصابة بسرعة غير ان استمرار العمل بدون ملل طوال خمسة عشر شهراً قلل من كارثة الطاعون التي لولا الكرنتينا لاستغرق المرض سنوات طويلة.
كان العزل اسلوباً مهما بين المرضى عن طريق انشاء غرف كثيرة تعزل المرضى عن المجتمع.
مرفأ بيروت المحروسة الذي استقبل عبر التاريخ العديد من العائلات
ان التشدد والاوامر الصارمة الصادرة عن السلطات واللجنة الطبية ادت الى تطويق الطاعون وعدم انتشاره ويقول هنري غيز انه لم يمت خلال سنة وثلاثة شهور سوى ١٢٦ من القادمين من موانئ وبلدان اصيبت بالطاعون وانه لولا الكرنتينا والقرارات الصارمة والعناية الطبية لمات الالاف.
لقد اصبح مرفأ بيروت المحروسة منطقة عزل واهتمام، ولا سيما ان تلك السفن كانت تأتي بالمواد والواردات المطلوبة لتجار بيروت وتنقل بعد ذلك الصادرات المتنوعة.
يختم القنصل الفرنسي هنري غيز ذكرياته عن تجربة الكرنتينا والطاعون بالقول: إني لاحظت انذاك، وفي هذه المناسبة على الاخص ان الاجراءات البسيطة التي تفهم وتدار بحكمة كانت كافية وحدها للوقاية من وباء الطاعون رغم طبيعته المعدية.
ونتيجة للنجاح الذي حققه الحكم المصري بالتعاون مع القنصل الفرنسي وبقية القناصل في القضاء على وباء الطاعون اعطى سمعة طيبة لكرنتينا بيروت المحروسة في الدولة العثمانية واوروبا على السواء بسبب الاساليب الطبية المتبعة وطريقة العزل والتشدد في تنفيذ القرارات المتخذة.