بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 تشرين الأول 2020 12:00ص تجديد الثورة

قبضة الثورة قبضة الثورة
حجم الخط
أيام قليلة تفصلنا عن إنطلاقة ثورة 17 تشرين الأول 2019، سنة من عمر الثورة مرَّت على لبنان، ولم تسجل ولو نقطة واحدة، بإستثناء الإختراق الذي سجله رئيس المجلس النيابي في الكشف عن «عشر سنوات» من العمل السريّ، للتفاوض على ترسيم الحدود البحرية والبرية، غير السورية.

إنجاز تاريخي حقا، يهلّل له الأميركيون، في الوقت الذي يفشل فيه ماكرون. مرة أخرى، «فرنسا كش برا». فالثاني والعشرون من تشرين الثاني، ليس ببعيد، حيث يحتفل اللبنانيون بعيد الإستقلال عن فرنسا، ويضعون لوحة الجلاء على «ضريح» نهر الكلب، ويعلنون أنهم إنفصلوا عن الفرنكوفونية، وبايعوا الأنغلوسكسونية، وأن لبنان الكبير الذي أعلن عنه في قصر الصنوبر، سوف يدخل إن عاجلا أو آجلا، تحت المظلة الأميركية.

كان لبنان حاجة أميركية، حقلا للتجاريب السياسية في المنطقة، ومهجرا للمغلوبين في الإقليم، فالأميركيون يدخلون العصر ويلعبون لعبة القطبين، وأما الفرنسيون فخارجها. وها هي أميركا اليوم، تكشف سرا من أسرار إستقلال لبنان عن فرنسا: أن لبنان، ليس وطنا نهائيا، على طريقة الشيخ شمس الدين وفرنسا، وإنما هو وطن نهائي على طريقة الأستاذ نبيه بري وأميركا.

هناك فارق كبير، بين الوطن النهائي في «نهايته»، والوطن النهائي في «لا نهائيته»، عن قضايا ومسائل الإقليم والعالم، إن العربي أو الأعجمي أو الغربي.

فطيلة المئوية الآفلة، كانت فرنسا تلتزم الثانويات اللبنانية، بينما كانت الولايات المتحدة تلتزم الأساسيات اللبنانية. كانت حروب الإقليم بيد الصيغة القطبية بعد الحربين، و«لبنان حقلا»، هو من حصة أميركا. وأما فرنسا، فإكتفت بإعلان لبنان الكبير، وبتبنّي شكل العلم اللبناني، والنشيد الوطني اللبناني.

احتاجت أميركا لبنان، بعد الخروج الفرنسي، بصيغة الخروج السوري التي عشناها عن قُرب، بعد حروب الإستقلال في الإقليم. أفادت منه ساحة لتصفية الحسابات والسيادات وتسوية الحدود، وتسديد الضربات. لم توفر طلبا من لبنان إلا طلبته، دون خجل دبلوماسي، أو دون خجل سياسي، أو دون خجل عسكري. قادت فيه وعليه، تحالفات متضاربة ومتعاكسة، حتى أثخنت مئويته بالدماء و بالجراح.

تشتّت اللبنانيون وسكان لبنان عامة، مزقا مزقا، طيلة الأعوام التي تلت الإستقلال. كان الأميركيون، حريصون على جعل «المئوية» تغلي على نار هادئة مرة، وعلى نار مشتعلة مرة أخرى، حتى إستوت في «الرابع من آب»، حين جاء «العصف الجميل»، يصنع «الخراب الجميل».

إطار التفاوض على الترسيم، صيغة أميركية، لا صيغة فرنسية، فهل إنتهت بذلك المبادرة الفرنسية؟! هل جدّد الأميركيون صيغة الجلاء الفرنسي عن لبنان مرة أخرى، في ذكرى تجديد المئوية الآفلة؟! سؤال برسم تجديد ثورة تشرين، بل برسم الأيام السياسية القادمة، وتجديد الثورة على ضوء إختراق الترسيم.



د. قصي الحسين

 أستاذ في الجامعة اللبنانية