تتمازج روح الشاعرة مع رسمها في لوحة الغلاف عبر تزاوج جميل بين الأسود والأحمر كأن هذه الروح تتصارع بين الحزن والفرح، بين الألم والسعادة لتنتصر فيها الحياة. «بمنتهى الفرح نعيش كذبة الحزن»، دعوة أسماء في مقدمة الديوان لدليل على إصرارها على التفاؤل رغم الألم، على الحب رغم الفراق والموت.
في الاسلوب، من النادر أن يضطلع القارئ على ديوان يضمُّ الشعر العامودي والتفعيلة والنثر في ثلاث لغات العربية، الفرنسية والانلكيزية في انسجام سلس وإنسياب ممتع بين رياح القصائد جميعها.
أماّ في المضمون، فتغوص أسماء في القضايا الوجودية، في مآسي الحياة، في حياتنا المنعتقة في هذا الكون الزائل، في الروح المسافرة الى أعماق أسمى ورحاب أصفى، لتكسر الجوع الممدّد في الشهقات التائهة.
وقد حاولت في كل ذلك، أن تبحث عن شبيه لها كمناداتها في قصيدة «وحي الحبر»:
«يا شبيهي في الغياب
يا خميلي في ارتدادات السّحاب
يا رسول التمتمات
كلّ ألواني ابتهاج
مذ بدا سحر المقام...»
ولعلّ سفر الروح أعاد شاعرتنا طفلة حزينة تنتظر أسرار القطار، تسأل شفاه الريح عن الذين غرقوا في البحر:
«فها قد أزهرت أسماؤهم على شفاه الريح
تتآكل ملامحهم عند الهبوب الأول للفجيعة
في المراسم تعلّق أصواتهم
مزامير ورقية
تشدّ إليها وعوداً نافعة
كرائحة المرافىء
كزوابع مطر صيفية...»
وفي مكان آخر، تدعونا الى وليمة الأحلام لنشرب في قصائدها نخب الحب، لنعزف مع زهرات الأركيد خجل البوح، لنضيء شهد العشق شموعا نورانية. فهي لا تؤمن بتعاويذ الفناء على الرغم من رماد البُعد في برد الحنين ذلك لأن الحبيب أو الإله أو مولاها ساكن روحها:
«سماواتي،
أراضيّ..
أنجمي..
فتات الضحكات
كّلها أهديها قربانا للحظاتك الآنسة
لسرب الحمام المسبح باسمك
في هزيع ليلي الأخير...»
كما الروح كذلك القلب عند أسماء، القلب الذي يسكن في رغيف الجائعين، في أرض قرطاج المعذبة، في أسرار ليل الراحلين، في صدى الصمت المضرج بالحنين، في حضور أمها ودمع أبيها.
من الملفت، كيف حملت «أسماء الشرقي» باسمها إرثاً جمعت فيه هموم الشرق وألوانه إذ بها تذوب ريشتها مع حرفها بهذيان سلفادور دالي، وأغاني «لوركا» الموشحة بحدائق غرناطة، فكانت الرسامة والشاعرة والناقدة والناشطة الثقافية، كل تلك الأسماء حملتها بشموخ في «شفاه الريح» فصارت نزيفا من الحبّ لا ينتهي.
ميشلين مبارك