بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تشرين الأول 2020 12:00ص د. ميشال الشمّاعي في «كفرشَليم»: الإنسان بأبعاده في رواية مميّزة

حجم الخط
«كفرشَليم» عنوان لرواية جديدة صادرة حديثا عن دار سائر المشرق للدكتور الجامعي ميشال الشمّاعي. وهو ايضا اسم متخيّل لقرية من جبل لبنان، عانت الكثير من الحرب والتهجير خاصة وانّ أهلها من انتماءات سياسية وطائفية مختلفة. مع عودة المسيحيين الى الجبل، تمّ تعيين كاهن لرعية مار يوحنا مارون في هذه الضيعة، اسمه أبونا «مجد». مستلما مهامه بإندفاع الشباب والإرادة، متزوّدا بالعمق الروحي والثقافة اللاهوتية ليشرف على نشاطات الرعية، مركّزا عمله مع الشباب، فيقيم المخيم الصيفي لاثني عشر شابة وشابا من كفرشليم.

هذا باختصار القسم الأول من الرواية، وأستطيع القول بأنّ القسم الثاني يأتي مغايرا لناحية التشويق وقوة جذب القارئ لأحداث الرواية. فنشهد على تطوّر العلاقة العاطفية الإلكترونية التي تنشأ بين الكاهن وفتاة كفرشليمية تدعى «جود»، ومن ثم ارتباط هذه الفتاة العشرينية برجل خمسيني بقوة الإكراه، وما الى أعقب ذلك من أحداث، وصراع بين الحب والالتزام والتضحية...

هذا في الشكل، أمّا في العمق، فنرى التأثر الواضح للكاتب بالانجيل المقدس حتى إسقاط بعض مقاطعه في صلب نص الرواية ضمن سياق سرد العظات والارشادات الروحية التي أرادها بطل الرواية (أي الكاهن) أن يوصلها الى أهل القرية. ولعلّ أجمل ما في الرواية، قدرة الكاتب الرائعة على الوصف، والمقارنة التي يقيمها بين الطبيعة الخلابة للقرية والتشبّث بالقيم الإنسانية النبيلة والمواطنية بشكل خاص، فيتجلّى الفكر النيّر للكاتب على سبيل المثال عندما يقول: «الوطن ليس بدكان، فإذا كان بخير ويؤمّن حاجات مواطنيه كلهم يقبلون به. ومتى قصّر هذا الوطن عن تأمين الحاجات، تذهبون للبحث عن غيره...» وتأتي رسالة الكاتب لتعكس عمق وديمومة هذا الوطن عندما يقول: «لم أطلب منكم أن تمسحنوا الناس أجمعين، أي أن تجعلونهم مثلكم مسيحيين، بل جلّ ما طلبته منكم أن تحافظوا على هذا التنوّع الذي أنعم لرب على وطننا به. فمرج الزهور جميل بتنوّعه، وورود الحقل مجتمعة تشكّل لوحة مزركشة تكاد لا ترى فيها لونا واحدا طاغيا. هكذا كونوا في العالم رُسل محبة وسلام...».

قد تنطوي رواية «كفرشليم» ولا سيما في النصف الأول منها، على تغليب البُعد الديني على أي بُعد آخر في التوصيف والسرد، ولعلّ الهدف من ذلك، إظهار أهمية المصالحة الذاتية عند الفرد اللبناني (مهما اختلف دينه) للوصول الى المصالحة مع الآخر وتقبّل هذا الآخر المختلف عنه. غير أنه ومما لا شك فيه، بأنّ إدخال الحب وتأثير التكنولوجيا والـ «فايسبوك» على الفرد والمجتمع وإغناء النص بالعديد من القصائد الوجدانية الرائعة، قد أضاف الكثير من الجمالية والتشويق على الرواية.

«كفرشليم» أو كما سُميت قرية السلام، رواية مشبعة بالوصف الخلّاب، متصالحة مع الإنسان بأبعاده الثلاثة: الديني (أو الإيماني)، المجتمعي (أو الانتماء) والوطني (لبنان). كُتبت بأسلوب شيّق وغني بالمترادفات والاستعارات التي تغوص الى عمق القارئ لتجعله يتأمّل بالطبيعة حتى وهو جالس في بيته في المدينة.

يكتب ميشال الشمّاعي الأدب بأدب، معانقاً الألم بالرجاء، حاملا يراعه كريشة عطر نثره الصباح، باحثاً عن أرض خصبة ليزهر فيها السلام.