كان بيتنا في منطقة البسطة في الطابق الأرضي وفيه حديقة صغيرة مع «سطيحة» فيها جدار يطل على حديقتين لجارين مختلفين....
واذكر انني كنت انتظر ان يأتي أي من أقاربنا ومعه أولاده فادعوهم للنزول الى الحديقة التي تملؤها حشائش القريس... وهي نبتة تشبه النعنع وإذا لامست الجلد فإنها تقرصه وتلسعه كلسعة الابر.... وكنت اضحك عندما أراهم ينطون ذعراً وألماً....
وكانت الوالدة تدبر المنزل بأسلوب منظم وعملي وبطريقة مذهلة...
حيث كانت كل الواجبات تتم بنظام متكرر... من تحضير الملابس والإفطار الى تنظيف المنزل وترتيبه والطبخ وما الى ذلك....
وكان بروتوكول ترويقتي اليومية قبل كدوشة اللبنة أو الجبنة عبارة عن كباية كبيرة من الحليب تليها بيضة نية أثقبها من الجهتين بمسمار مثبت على حائط المطبخ..ثم «أشرقها» بمتعة كبيرة... وكان هذا فيتامين الكالسيوم الطبيعي الذي أتزود منه يوميا....
وكانت رحمها الله لمزيد من الترغيب تعلق البيضة الفارغة على أحد أغصان شجر الفل المتواجد بكثرة على حفة الجدار بيننا وبين الجيران... وبما انها تضع كل يوم بيضة جديدة فإن عدد البيض على الفل كان يزداد يوما بعد يوم وكان منظره جميلا وممتعا....
وفي أحد ألأيام سمعنا صوت جارتنا أم بسام وهي تنده لأمي بصوت عال قائلة...
يا أم مروان.... أم مروان...
فاطلت أمي عليها وردت... أهلا أم بسام...
فسألتها وبجدية آملة تلبية طلبها....
جارتنا ممكن طلب حبيبتي....
بقدر آخذ شتلة من شجرة البيض اللي عندك....
نعم كانت تريد شتلة من الفلة ظانة أنها شجرة تنبت بيضا....
ضحكت أم مروان وأخبرتها سر شجرة الفل....
كان سؤالها تعبيرا صارخا عن الفطرة والبراءة وقلة المعلومات التي طغت على مجتمعنا آنذاك.....
أيام الخير والبركة ....
وللحديث بقية....
مروان عبد الغني جارودي