بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 تموز 2019 12:00ص رشيد الضعيف في روايته «أهل الظِّل»: محنة العَبَث والخوف

غلاف الرواية غلاف الرواية
حجم الخط
«أهلُ الظِّل» روايةٌ مُتْعِبة، مرهِقةٌ جداً، تحتاجُ القارئ الصَّعْب الذي يُحاولُ فيها تتبّعَ التدرّج الزمني والتحليل المنطقي لتفاصيلها المتناثرة بين ثيمات ثلاث مختلفة: الحبيبة (الزوجة لاحقاً) – المنزل – الأُم – وهي أغراضٌ وإِنْ تناسقتْ وتسلسلت في أفكارها على صفحات متفرقة من الرواية، إلا أنها افترقتْ في الشكل الروائي الذي تسربلَ بأدوات السرد وتقنياته، إذ أخفى «رشيد الضّعيف» شخصيتهُ بشكل نهائي، فاستخدم السَّاردَ كراوٍ عليم، وكتقنية تنطلقُ من إشكاليات الخوف والقلق في كل تلك القضايا المصيرية التي واجهها من حوله، مما دفعه الى التعلق بأفكار الفوضى واللاجدوى واللااكتراث التي تُشكّلُ أساس ظاهرة العبث والتي جعلتهُ - ككائنٍ مُبعثَر - خائفاً من كلّ شيء على كلّ شيء: من الدّهر على حبيبته، من الطبيعة على أساس منزله، من المرض والفقر على أهله، من الطوفان، من القنبلة التي قد تدمر بيته، وغيرها من أسباب الارباك التي أشعلتْ شرارة التفكير العبثي في كل شيء أيضاً كما بدا في نمط البِنية السردية التي  تقيّدنا وتأسرنا في حلقات مفرغة مغلقة، ومتكررة دون أفق، فالبداية تحيل على النهاية والنهاية تقود الى البداية، في متاهاتٍ لا سبيل للخروج منها إلا بختم الرواية وإراحة القارئ منها بلا نهايات! في كُلّ ذلك، السّاردُ هو الأساس لأنه المُتكلِّم والمُتحكّم بتفاصيل العمل الروائي، فضلاً عن العناصر الأخرى من العمل، لإبلاغ موقفه من قضية ما في المجتمع (أو الواقع من حوله) ويبقى القارئ الذي عليه التركيز في عملية القراءة لاستنباط ما يراه من أهداف الكاتب، وفاقَ منظورهِ هوَ مستنداً إلى مخزونه الثقافي والفكري.

هذه الفوضى الفكرية ولّدتْ الخوف من العبث، خوف وجودي هو الأساس الأول في خلق محنة السارد، يدفعنا إلى الاعتراف الصريح بنجاحِ «الضعيف» في استدراج المُتلقّي إلى الحيرة والتّلبُّثِ في أمره، وازعاً الأخير أنْ يتقَدَّمَ في القراءة فقط دونَ الوصولِ إلى غايةٍ ما أو هدفٍ محدد، ربما تكريساً لمفهوم رشيد الضعيف في أنّ رواياته ليست لكل القُرّاء وإنَّما هيَ لقارئ نخبوي مُعيّن بحد ذاته.

والسّارد في محنته تلك وإنْ كان راوياً عليماً، يجدُ في جدلية العبث والخوف الوجهَ الآخرَ ومرآةً عاكسة لما يعانيه في المجتمع من حوله، ربما تماهياً مع الحرب اللبنانية التي كانتْ لا تزال تعصفُ بالبلاد وقتئذٍ حينَ صدَرَت هذه الرواية (1987)، مع الإشارة إلى عاملٍ مهمٍّ جداً في تكريس تلك الجدلية ألا وهو تجهيل العناصر الفاعلة في بِنية النص الروائي. فالشخصيات الواقعية الحيّة في الرواية تبقى مجهولة الأسماء والهويات (دينية – ثقافية – اجتماعية) عدا عن شخصية السارد نفسه التي هي أيضاً شخصية مجهولة الاسم والهوية وحتى الوظيفة الاجتماعية، فضلاً عن تجهيل المكان والزمان، لكنَّ «الضعيف» في كل ذلك ظلَّ رافعاً قضية الإنسان ومصيره، ومجسِّداً فكرةَ  الفرد/ الذات الذي يشبه الآلاف من الناس في المجتمع من حولنا والذي كُلَّما اقتربَ من ذاتهِ «الأنا» الخاص، كُلَّما اقتربَ أيضاً منَ «الآخر» العام أي الناس، مفضلاً مع ما يرتبط به معنوياً وعضوياً (الزوجة – الابن – الأم- المنزل)، وما تشي بهِ روايتهُ،  أنْ يعيشَ في الظِّل الذي هُوَ مِنْ أَهله.

حسام محيي الدين

 Hmouhieddin@gmail.com