بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 آذار 2020 12:02ص شيخُ المُصنِّفين والنُّقَّاد.. وأنبَلُ الأَصدقاء

ناجي نعمان ناجي نعمان
حجم الخط
ناجي نعمان:

عندَما يَمشي الدُّكتور عُمر فاروق الطَّبَّاع، ذا المُتَأَنِّقُ لِباساً وكلاماً وعملاً، فكأنَّه على بِساط الرِّيح يَطير. سُنبُلَةُ فِكره المَلأَى تَجعلُهُ يُطَأطِئُ الرَّأسَ، وإنْ هو أَسمَعَ صَوتاً فلأَقوالٍ فيها الحِكَمُ. وعليه، لن تَقَعَ، إِنْ أنتَ «غَوْغَلْتَ» صُوَرَه، إلاَّ على رَسمٍ فريدٍ رُبَّما دُسَّ خطأً بين غلافاتِ عَشَراتٍ كَثيراتٍ مِن كُتُبه ومُصَنَّفاتِه.

ويومَ كان لي شرفُ تَكريمه في صالوني الأدبيّ في العام 2011، لَم يَرْضَ إلاَّ أنْ يُغنيَ مكتبةَ المجموعات والأعمال الكاملة الَّتي أنشأتُ بمئةٍ وخمسةٍ وعشرين مجلَّداً ومُصَنَّفا ألَّفها أو أعاد إحياءَها تحقيقاً ونقداً حتَّى تاريخه. واللافِتُ أنَّه اشترى مُعظمَ تلك المجلَّدات والمُصَنَّفات ليُقدِّمَها إليَّ، وهي اليومَ تَشغلُ زاويةً كاملةً من المكتبة، زاويةً تحملُ اسمَه، وتَلقى إِعجابَ كلَّ قاصِدٍ أو مُشتَرِكٍ في برنامج السِّياحة الثَّقافيَّة الَّتي تُنظِّمُها مؤسَّستي للثَّقافة بالمجَّان.

والرَّجلُ، إلى ذا وذاك، يردُّ الجميلَ بأفضلَ منه، بل لا ينتظرُ الجميلَ لِيَتَفَضَّلَ على رجال الشِّعر والأدب بدقيق بحثه ونقده. وهكذا، عندما أَعدَدتُ لِمئَوِيَّة والدي، متري نعمان (1912-1994) 2012، وأجريتُها في داري ومؤسَّستي الثَّقافيَّة، لم يَشَأْ أنْ يَمُرَّ الاحتِفالُ مِن دون أن يطبعَه، هو الطَّبَّاعُ، بطابَعه الخاصّ، فكان أنْ بحثَ في سيرة الوالد وأعماله، ووَضعَ بحثاً بعنوان: «أبو عبد الله متري نعمان: جوانِبُ من أدبه وشخصيَّته في إطار مئويَّته»، تمَّ نشره في أكثرَ مِن وسيلةٍ إعلاميَّة.

الدُّكتور عمر، على حَدِّ قَول أهل الشَّام، «نازيك»، أي أنيقٌ مُتَأدِّبٌ مُرهَفُ الإِحساس سَلِسٌ في تَعاطيه مع الآخرين؛ وهو يُذكِّرُني، أكثرَ ما يُذكِّرُني، بوالدي، أبي عبد الله. أمَّا وقد رَحلَ الوالدُ منذ سِتٍّ وعِشرين، ورحلَ الطَّبَّاعُ منذُ يومَين، أَجدُني أفتَقِدُ أناقةَ الكلمة، قولاً وكِتابةً، ورَهافةَ الإِحساس، والغَيريَّةَ المَجَّانيَّة.