بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 آذار 2021 12:00ص (فلسفات الثورة) لد. جهاد نعمان

حجم الخط
عالج كثيرٌ من كتّابنا ومفكّرينا العرب، القضايا العربية ولا سيما القضية الفلسطينية معالجة تتفاوت دقةً، ولكنها تثبتُ بألف برهان وبرهان، حقَّ شعوبنا في العودة إلى ديارها والاستقرار وتبيّن مطامع إسرائيل وسواها في سلبهم هذا الحق المشروع، وفي التوسّع في بعض أجزاء أوطانها، بعامل العدوان والطغيان، وبمساعدة من الاستعمار في كل أَوجهه.

وتصدّى عدد من كبار الفلاسفة الغربيين والأدباء إلى شجب التوسّع الصهيوني أو الهيمنة التعسفية في غير حقل وعلى غير صعيد..

منذ أسابيع معدودة، أصدر سفير السلام الدكتور جهاد نعمان كتابه الثالث والخمسين، بعنوان: «فلسفات الثورة في القرن التاسع عشر - محطات ونصوص ذات صلة» (عن دار نعمان للثقافة، جونيه/ المكتبة البولسية، 263 صفحة).

يعالج الدكتور نعمان موضوع الثورات غرباً والحراكات في عالمنا العربي وخصوصاً في المرحلة الأخيرة. درس المؤلّف، عبر خواطر وبحث موثّق معاً، والبحث دراسة شاملة مستفيضة، جميع ما يتصل به من عوامل وأسباب للثورات وما يتاخمها، وكل ما يمتّ الى هذه المواضيع من أبحاث تاريخية. يدلي المفكّر اللبناني الغزير الإنتاج (5000 مقال حتى الساعة) بدلوه عبر مواقفه من الأحداث المتصاعدة في عالمنا العربي والصراعات الاقليمية والدولية. ويشير إلى الدور الذي يجب أن يضطلع به قادة الرأي في كبح جماح النزعات اللاإنسانية أو المطامع الفردية والجماعية المتحالفة مع الاستعمار المستجدّ.

يميط الدكتور نعمان اللثام عن أسرار التحركات الموسمية في ربوعنا ويبرهن على ما يتصف به شعبنا حتى الساعة من حب كبير للمال ومن نقضٍ للعهود والمواثيق.

يجد القارئ في الكتاب المتعدّد الفصول كل ما يريد أن يعرفه عن أسس الثورات الحقيقية ودواعيها ومراميها ونهجها.

الكتاب في مجمله، سفرٌ تاريخي حافل بالحقائق الناصعة، والبراهين الدامغة، التي أثبتها المؤلف الحصيف، ومملوء بالنظريات العلمية المستمدّة من أعماق الواقع. وقد أثار هذا السفر القيّم اعجابنا الوافر، كما أثار إعجاب كل مَن قرأه واطلع على ما يتضمنه من أبواب وفصول وآراء أقلُّ ما يُقال فيها انها تدمغ التحركات المشبوهة بوصمة سوداء وترفض الهيمنات الموصولة المبنية على رمال الأوهام والغطرسة التي رأى انها ستنهار أمام معاول الحق والقوى المتألبة على الشر والطغيان طال الزمن أم قصر.

تتسم كتابة جهاد نعمان المعروفة بالموضوعية والمثالية الواقعية، كما يتّسم اسلوبه بالسلاسة والوضوح والاشراق. فهو أديب غزير المادة، خصب الإنتاج، مولّه بمطالعة الكتب ودراستها والتعليق عليها، ونقد بعضها نقداً بنّاءً يبيّن فيه مواطن الخطأ والصواب، في الفكرة والصياغة والأسلوب.

والذين قرأوا للدكتور نعمان، في مؤلفاته أو مقالاته وخصوصاً على صفحات «اللواء» الزاهرة، يعدّونه ناقداً موهوباً، ينأى في نقده عن القسوة والتحامل، وينظر في عمق وشمول، إلى ما كٌُتِب، لا إلى من كَتَب، مهما كان شأن الكاتب في عالم الفن والأدب.

أتيح لنا في حجرنا القسري، أن نقضي ساعات ممتعة مع هذا الأثر الجديد (شباط 2021)، الذي دبّجته يراعة الأستاذ نعمان، فإذا بنا أمام محلل فلسفي «جَوْهَرودِيّ» يجمع بين الجوهر والوجود، وفاقد متمكّن من صناعته، منصف في حكمه، خبير بقواعد النقد النزيه الصادق.

خواطر الدكتور نعمان (جزءا الكتاب الأوّل والثالث) تلتهب حماسة، وتضطرم بحب الوطن، وباجلال أبطاله وشهدائه الباذلين أرواحهم في سبيله. أما الجانب البحثي الصرف في الكتاب (الجزء الثاني)، فقد أجاد واضعه في عرض فلسفات الثورة من خلال القرن التاسع عشر في الغرب، وهو مادة دسمة للدراسات وينطوي على فائدة فلسفية واسعة.

من فصول الكتاب، نذكر: «مدخل إلى يهود اليهود» و«حياة العقل» وجدلية السيّد والعبد» و«موت الفلسفة»..

جهاد نعمان فريد من نوعه في البهاء الأدبي، الذي ينشره أمامنا عبر صحيفة «اللواء» الزاهرة تباعاً وبلا انقطاع، وهو يكاد يكون فريد في المودّة والآخاء، ولا يُدرك هذه الحقيقة بقدر ما يدركها مَن صادقه وآخاه عبر سنين طوال، ونحن في صفوفهم. انه، في كتاباته شبه اليومية منذ سنّه الخامسة عشرة، في خدمة الحقيقة وخدمة القناعة، بأن كل شيء إلى زوال، ما عدا الكلمة الصادقة، في الموضع المناسب، فهي خالدة، وبها يتخلّد الذكر وتتخلّد المكرمات.



د. جوزف خوري