بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 أيلول 2019 12:00ص «كلما اشتقْتُ غنّى الحَمام» للشاعر د. يحيى عبد العظيم: التكاملُ بين الذات والوطن

غلاف الديوان غلاف الديوان
حجم الخط
بعدَ «زفرات» ديوانِهِ الأوّل الصادرِ عام 2006 عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، يحضرُ الشاعر الدكتور يحيى عبد العظيم فينا ببراءةٍ متناهية مع ديوانه الثاني «كلّما اشتقتُ غنّى الحَمام» الصادر حديثاً عن دار النسيم القاهرية، وكوجهٍ آخر مشرقٍ من سيرته الثقافية كناقدٍ ومتخصّصٍ في تحقيق التّراث الأدبي العربي على ما تحفلُ به كتبهُ العديدة في هذا المضمار. وفي ديوانه الجديد يبعثرُ شاعرنا وَجْدهُ بين هموم أمته وشجون ذاته، أي على مستويين من التعبير الإنساني عما يسكن المواطن العربي من هموم وشجون: المستوى الأول هو الذات، في الوجدان والحب، والمستوى الآخر هوَ الوطن، في الأرض والقضية، وكلاهما صنوان من المكوِّن العام للذائقة الشعرية في مصر العروبة. وبين ذاته ووطنه تداخلت مشاعر ثرّة تسلسلت في قصائد ديوانه الجديد، وتسوّرتْ رؤاهُ العروبيّة شرائطَ الجمادِ الشائكة والتخاذلِ المهيمن فيما حولنا. ذاته ووطنه صنوان من الذائقة الشعرية في بلدٍ عربيٍ كبير كمصر العروبة.

في الذات نجح عبد العظيم في تصوير الفعل الإنساني على أكمل وجه في حبك موجبات التداخل والتآلف بين من أحب وبينه ولو على مركب التخييل الأخاذ، ما جعله فيلسوفاً في جانب من شخصيته، فضلاً عن شاعريته الفذّة في الجانب الآخر، مطوّعاً بذلك ملكته الأدبية في خلق الفكرة المجدّدة الناصعة البياض والمكتملة الصفاء. يقول في قصيدته «صلاة» من ديوانه الجديد:

سأنامُ مُتكّئاً على شفتيكِ!

مضطجعاً على الأحلام

إذ ألقاكِ في رؤيايَ

عند الخطوة الأولى

إلى الملكوتِ نصعدُ خطوةً

نلقى بها النّور الشّفيفَ

على ضفافِ الروح

نهراً سلسلاً...

ثم هو يناجي حبيبته التي لم يدعْ صفةً ولا سمتاً إلا جبلها بهما، فهي الوضّاءةُ المنيرةُ، المشرقةُ، الرفيقةُ الرقّيقة، النديّةُ المرويّةُ الراوية، وهيَ الشهيّة المقال، والضاحكةُ اللّمى، والأغنية الربيعية الوردية. وهيَ الأنشودة الصوفية: 

حبيبتي أنشودةٌ صوفيّةٌ

أحبُّ لو تبوحُ بالذي أراهُ في عيونها

لكنّها

تخافُ من قساوةِ العيونِ

من معاولِ الزمنْ!

حبيبتي تختالُ في رياضِ مهجتي

تحفّني بالبِشْرِ والحبورْ

حوريّةٌ من سدرةِ الجنانْ

بدفقةٍ من الذّهبْ

فتُورقُ البراءةْ

ويُزهرُ الشعُورْ

أما في الوطَن فلم يكن يحيى عبد العظيم غارقاً في حُبِّ مصرَ فقط، بلْ تبنّى ساحة العروبةِ الكبرى بما هي شعوبٌ وأفكارٌ وأدواتٌ تسعى لكسر القيد الاستعماري الذي عنوانه الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين وحدود لبنان الجنوبية والجولان والأردن ومصر نفسها، ويرسمُ خريطة طريق تنبؤ عنِ التخاذلِ أو التراجع عن حقنا العربي في قضيتنا الأم ويقدمُ لنا تأصيلاً وجودياً لحقيقةِ وحتميّةِ المواجهة الفكرية مع العدو في كل مكان وزمان، فكانت قصيدته «أبجديّة لم تكتمل» التي توزعتْ أفكارها شعرياً تكاملاً وتواصلاً مع مسارٍ سابقٍ من نضالات تلك الشعوب العربية في مواجهة العدو الإسرائيلي على امتداد اعتداءاته المتكررة منذ عام 1948 وحتى اليوم. هي استحضارٌ وتأريخٌ للنضال ضدّ ذلك العدو، واستشراف لضرورة استكمال ذلك النضال والقتال للوصول الى تحرير الأرض وصون العرض. يقول فيها:

جاوزْ تفاهتَهم وغامرْ

سوف تأتيكَ الشهادة!

فالنّجمُ إذ يهوي تهونُ النَّفس

يرخصُ كلُّ غالٍ

نرتدي حللَ الجهاد.

يدفع عبد العظيم هنا إلى تجاوز المتقاعسين عن الحضور الى ساح القتال والنضال ضدّ الغاصبِ المُحتل، مقرّراً أنَّ الشهادةَ في كل حال هي المصيرُ الجميل. 

إلى أن نتمنى معه ما فيه تحريرُ الأرض من الاحتلال وهوَ يقول: 

عرّجْ على الأقصى وخَبِّر أهلَهُ

أنَّ الخليلَ ربيعُنا والدارُ

أنَّ الحجارةَ في الجليلٍ تقدّستْ

والقبّة الذهبيّة التّذكارُ

ولكَمْ أهيمُ بأرضها وبقدسها

ولكّمْ غناء الطير والأزهارُ

قوموا أعِدّوا للقاء، تقدموا

حتى يُبيدَ عدوَّنا الإعصارُ.



حسام محيي الدين

hmouhieddine@gmail.com