لا أدري إنْ كانَ لا يدري، كلُّ علّامةٍ أو راجِزٍ من بُنُوَّةِ وادي عبقر، بما يجري، على صفحات التفاعل الرقمي بين «لايكات» الاعجابِ الموشّحة بالضحكات وأيقونات الزّهور، والأيدي المُرَمَّزةِ، والأفئدة الحانيةِ والحنونةِ في الاتجاهين بين قائد المنصّة الرقميةِ الفذّ وأتباعهِ مِمّنْ صادقوه وصدّقوه، فرفعوهُ رتبةً في رَقيمِ القائمين على رقابةِ النّحتِ اللغوي والاشتقاق اللفظي، فكانَ وبتواضعٍ مُدهشٍ الأصلَ والفَرع، والصوتَ والصدى في آن! والجهبذَ النّحويَ الخالصَ الفرادةِ، «والجذوةَ المشتعلةَ» في فضاءِ العربيّة وأبنائها ناقداً، ناثراً، قاصّاً، روائياً، موجِزاً، وامضاً، مدوّياً، راجزاً، وواجزاً! بجماليةِ الُفسيفساء الدلالية» المُتكَرِّشةِ «سيميائياً كما أرادها فعلاً وقَوْلاً الفرنسي (الصّابر على صاحبنا) «فرديناند دو سوسير» في لسانياته!. ولكنهُ – القائد عينه - ليسَ على أيّ حالٍ شاعراً، فهوَ (يا عيني عليه) عينُ المنارةِ البعيدةِ التي تهدي جياعَ الشعراءَ إلى قِصَاعِ اللُّغة البديعة، متنازلاً بفروسيةٍ قلّ نظيرها عن ريادته الأدبية الى بعضِ أولئك الأتباع، زاهداً بجانب الشِّعر منها، فالدنيا متاع الغرور، ولا ضيرَ لو انكفأَ هُوَ ليُبدِعوا هُم، وليَنْظمُوا ما ترقرقَ من مخايلِ إبداعاتهم المفعمةِ بلطائف المفرداتِ الحسان، حَدْسَ الكتابة شِعْراً على الصفحة الإلكترونية الغضّة، الرقميّةِ البَضّة. فمِن الصّدِيقَةِ التي «تنبّأت قطتُها بنهرٍ لانهائيٍ منَ العشق» سالخةً صفحة النِّت كاملةً تحت صورتها المتسربلةِ «بالفوتوشوب» وهي «تشْعُرُ» فينا بصراخٍ «مُبدعٍ» لا نهائيّ المواء! إلى تردُّداتِ الصورةِ البهيّة والصوت الجامحِ «زئيراً ثورياً» في رؤياه المُنبَعِثةِ مِمّن كنّاه بعضهم «متنبي العصر» والذي يحجزُ المدى المتاحَ (بينَ ياقَتهِ الجوَارِبِيةِ الشّكْل وخشبةِ المنبر أمامه) مَرمَحاً ليديهِ المُنْفَلِتَتَينِ بعفويةِ البهلوان وهو يُرْسِلُ كثيف شعره (بكسر الشّين وإن شئتَ فافتحها) باتجاه الحضور المتجمّدِ إعجاباً، والمتقوقع أُنْساً! إلى الشاعرة التي «تبصقُ» شِعْراً وجودياً بعد طول إعتصار، وأمَدِ إنتظار، ممطرةً «معلقَّتها الثامنة» التي فجّرتِ الصولاتِ الدونكيشوتية بين «لايكات» الاعجاب بها، وتعليقات البِهار والإنبهار بما أزْبَدَت! مروراً بالنّجِيبة المُبدِعة التي يرجوها الجمهور - على ما جاء في الصفحة - نشرَ ديوانها الأول رافضةً أمنيّتَهُ بإباءِ التي «لا يُرامُ خباؤها» لتتركه في لهفةٍ وانتظار كالمواطن اللبناني الذي يتحَوَّلُ الى مومياء فرعونية (ولكن أصلية) في انتظاره الطويل للوظيفة! إلى غيرهِم وغيرهنّ ممّن دجّنَتْ تلكَ الصفحةُ «المجيدةُ» جمهورَ متابعيها على تذييلها بعجائبِ وغرائبِ «تجليّات» اندهاشهم وَوُحِيِّ إعجابهم بمنْ شَعَروا شُعراءَ عصرهم، فلمْ يكنْ آخِرُهُم تلك التي «يتَهرهَرُ» الحبرُ من قلمها حزناً لأن القيامة قد حانتْ لعِلَّةٍ عظيمة هيَ أنَّ قوسَ قزح لم يظهر اليوم لسببٍ لن نعرفه الا في الجزء الثاني - الذي يتبع - من قصيدتها!
وفي نكهةِ التماهي واللاوعي الادراكي بين الخيالِ والواقعِ لا يَمَلُّ المَوْقِعُ العتيدُ من جَلْدِنا يومياً بالبَثِّ المباشرِ لتخاريف شياطينِ مَن أبدعوا في النّقْلِ «الأمين» لنصوص الآخرين في سَرِقةٍ موصوفةٍ مِنَ الصَّفحاتِ الأُخَر، تعبيراً عن طلاسم القلق المُتهافتِ منْ عقولهم المُهَرِّجة، وسجاياهم المُهَدْرَجةِ بالخداع، والتي تثرثرُ مقاماتِ المديح لبعضهم البعض على مرآنا ومسمعنا في غمرةِ الانتفاخ الابداعي للشعراء العِظَام أنفُسِهم!
وعليهِ فلا مندوحةَ لنا عن الزَّعْمِ أننا نأملُ - على سبيل الوجوب - مِن أصحاب الصفحات التقنية الرقمية - أعلاه - أن ينفلتوا من وهْمِهِم السُّلْطوي القابضِ - ميليشياوياً - على مساحةِ اللاجدوى الثقافية شِعراً ونثراً المحيطة بهم، إلى احترامِ فِعْلِ الكتابة الثَّرَة العطاء، بأن ينشروا ما تختاره الذائقة السَّوِية للبشر من نصوصِ الذُّروةِ الجماليةِ الدّالّةِ والمؤثّرةِ في إغناء الذوق العام للفوزِ - بالضرورة - باحترامِ القارئ لا إهانتِهِ! وليدركوا أنَّ تأصيلَ علاقة الأنا بالآخَر تبدأُ من احترام القارئ في ما يُقَدّمُ إليه منْ نصٍّ إبداعي موضوعِيٍ مُشْرِق، لا مُتَملِّق، ولا متكَلَّف سخيف، وذلكَ تحتَ طائلة التّعَالي المطلوب عن «جوعِهم» العبثي للانتشار المُفْتَرَض، وإلّا فليركنوا إلى رُكامةِ منصِّاتِهم الالكترونية البائِسة، في انتظارِ العَدَم.
حسام محيي الدين