يوماً بعد يوم، تنكشف قطبٌ مخفية وراء قرار اعتقال الأسطورة في عالم السيارات رجل الأعمال كارلوس غصن ، تتخطى في ظاهرها ما أسند إليه من تهم تزوير مستندات مالية لتصل إلى حدود خلاف سياسي وصدام بين البلدين: اليابان وفرنسا!
ما يطرح علامات استفهام عديدة هو وتيرة تسارع الأحداث والحجم الذي وصلت إليه القضية، حيث إن وزير مالية فرنسا برونو لومير تدخل بنفسه وطلب إجراء تحقيق في قضية ضرائب غضن، معلناً أن التحقيق لم" يظهر شيئا بشكل خاص بشأن وضعه الضريبي". وهو ما دفع بباريس إلى رفض تنحيته عن الشركة الفرنسية "رينو"، لاسيما أن غصن يعد من أصدقاء الرئيس ماكرون لما له من ثقل في عالم الأعمال في فرنسا.
الأمر لا ينطبق على اليابان، في ظل لجوء مجلس إدارة شركة #نيسان_اليابانية إلى التصويت لصالح عزل غصن رسميا من منصب رئاسة المجلس.
وبحسب المعلومات، فإنه من المتوقع أن يلتقي اليوم في باريس كلا من وزير مالية فرنسا ووزير الصناعة الياباني للوقوف عند حادثة اعتقال غصن، ما يعطي أهمية كبرى ليس فقط للشراكة بين تحالف "نيسان – رينو" بل أيضاً إلى العلاقة المهمة بين الدولتين.
سيناريوهات عديدة وتصريحات عن إيران
سيناريوهات عديدة حيكت حول الأبعاد الحقيقة للتوقيف، حتى إن ثمة من يعتقد أن تصريحات غصن في يونيو الماضي، التي أكد فيها أن شركة رينو الفرنسية ستحافظ على وجودها في إيران، على الرغم من خطر فرض عقوبات أميركية :"لن نتخلى عن ذلك حتى لو اضطررنا إلى تقليص حجمنا بقوة"، وهو ما استدعى رداً أميركياً قاسياً.
علماً أن موقف غصن من السوق الإيرانية لا يأتي منفرداً، بل يأتي في سياق قرار أوروبي وفرنسي بإنشاء آلية تجارية لمتابعة العمل في إيران بغض النظر عن العقوبات الأميركية.
التخلص من قبضة رينو
غير أن السيناريو الأقرب إلى الواقع، يترجم في محاولة شركة "نيسان" اليابانية استغلال إزاحة كارلوس غصن عن الأضواء كفرصة لإعادة التوازن في التحالف مع رينو لصالحها، بحسب ما ورد في تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز".
فعلى الرغم من أن شركة نيسان تزيد إيراداتها السنوية بنحو 60% عن شركة رينو، فإن المجموعة الفرنسية تمارس المزيد من السيطرة داخل الحلف، بما في ذلك الحق في إجراء بعض التعيينات العليا في فريق الإدارة التابع لشريكها.
وهو ما وصفه أحد الأشخاص المقربين من شركة نيسان بـ"الجانب السلبي"، نظراً لتركز السلطة في تحالف "نيسان – رينو - ميتسوبيتشي" في يد رجل واحد ممثل بشخص كارلوس غصن، بالتالي مع إزاحة هذا العامل، يمكن للجانبين البدء في مفاوضات جديدة فيما يتعلق بهيكل الحلف في "لائحة نظيفة"، بحسب وجهة نظر مسؤول حكومي ياباني.
"نيسان – رينو - ميتسوبيتشي" في شركة واحدة
أمّا الفرضية الأخرى ، التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، هو ما أشيع في الأوساط حول نية غصن الاتجاه نحو دمج كامل للحلف في شركة واحدة. حينها جن جنون اليابانيين لاسيما أن الهيكل الحالي يرجح الكفة لصالح رينو، التي تملك حصة 43% من أسهم نيسان بالتالي تتمتع بحقوق التصويت، مقارنة مع حصة غير مسيطرة للمجموعة اليابانية بنسبة 15% في نظيرتها الفرنسية.
لذا أي اندماج مقترح كان سيعطي تمثيلا أضعف لنيسان في مجلس الإدارة، مما يقلل من حظوظها، الأمر الذي عارضته الشركة بشدة، لاسيما وأن الحكومة الفرنسية تمتلك 15% من رينو وتتمتع بحقوق التصويت المزدوجة.
فكانت استراتيجية "نيسان" أن تستعيد جزءا من استقلاليتها، عبر إظهار شخصية قوية في المقابل متمثلة بشخص الرئيس التنفيذي لشركة نيسان الياباني هيروتو سايكاوا " Saikawa "، الذي من المتوقع أن يتم تنصيبه رئيساً مؤقتاً للشركة.
وتحاول نيسان، مع تقوية شخص الرئيس الياباني "سايكاوا"، استعادة علاقاتها مع وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية التي أصبحت ضعيفة في ظل "الرئيس اللبناني" غصن، الذي طعن في الممارسات اليابانية التقليدية.
وفي إطار الخطة المتفق عليها، سيعمل التحالف على تسريع مدخراته من 5 مليارات يورو في عام 2016 إلى أكثر من 10 مليارات يورو بحلول عام 2022، المبلغ الذي يعتبر غير قابل للتحقيق دون مزيد من التكامل العميق بين الشركات. فهل أطيح بالتحالف الثلاثي على حساب حرية كارلوس غصن؟