بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

20 كانون الأول 2018 12:00م حرب ترمب الاقتصادية.. هل تتأثر الصين؟

حجم الخط

أوتاوا- يشبه الصراع الذي يلوح في الأفق بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين التنافس بين الدول والشركات والأفراد، الذي ينتهي بفوز أو خسارة أحد الطرفين. وتتصرف الصين بناء على اعتقادها أنه إذا حدث وتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين نظيره الأمريكي في القيمة الإسمية للدولار، فإن إمكانيات الاقتصاد الأمريكي ستتراجع بنسبة تساوي هامش أرباح الصين.

وفكرة أنه يجب أن يكون هناك صراع حول التجارة أو الهيمنة التكنولوجية تدعم أسلوب الرئيس الأمريكي ترمب في التعامل مع الاقتصاد والسياسة الخارجية. ويعزز الاعتقال الأخير الذي تعرضت له المديرة المالية لشركة هواوي، مينج وانزو، في كندا فكرة أن إدارة ترمب تلجأ إلى أساليب مدمرة لتحقيق أهدافها.

لكن وراء مشاهد الاعتقالات التي تطال الشخصيات البارزة، تقبع بعض الوقائع الاقتصادية الأساسية. أولا، فوز دولة ما لا يعني بالضرورة خسارة دولة أخرى. إذ لدى كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين قطاعات تكنولوجية نشيطة تستفيد من ابتكارات بعضها البعض. كما أن اقتصاد الصين هو المحرك الرئيسي للنمو في العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية. ونظرا لكون اقتصادها أكبر من اقتصاد أمريكا فيما يتعلق بشراء المساواة في القوة، يبدو أن مخاوفا من أنه سيتجاوز الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص الناتج القومي الإجمالي الإسمي- الذي يختلف عن الثراء- خارجة عن الموضوع.

ومن الطبيعي بالنسبة لقوة مهيمنة وجدت نفسها في المرتبة الثانية أن تشك وتفقد الثقة في نفسها. لكن ما على الولايات المتحدة الأمريكية إلا التغلب على هذا الشعور، كما فعل باقي دول العامل عندما أصبحت أميركا أضخم اقتصاد في العالم. كما أن العاملين الرئيسين وراء النمو الاقتصادي الطويل الأمد هما: حجم ساكنة البلد في سن العمل وإنتاجيتها. وتعيش بالصين ساكنة أكبر من تلك التي تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، إذا فمن المنطقي أن تتجاوز الصين الولايات المتحدة الأمريكية في الحجم الإسمي إلى حد ما (إلا في حالة وقعت في فخ إنتاجية ضعيفة دائمة). ونفس الشيء ينطبق على الهند.

والعامل الآخر الذي يتم تجاهله هو المستهلك الصيني. فبالنسبة للعديد من الشركات في اقتصاد معين، يعتبر حجم سوق المستهلك المحلي أقوى محدد للنمو الممكن. وفي بداية هذا العقد، أظهرت إحصائيات الحكومة أن الاستهلاك المحلي شكل 38% من الناتج المحلي الإجمالي؛ ومع نهاية 2017، ارتفع هذا المعدل إلى نسبة تتراوح ما بين 42 و43%. وبالسعر الجاري، يصل حجم سوق المستهلك في الصين اليوم إلى ما يقارب ثلث حجم سوق المستهلك في الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا السبب تبيع الشركات الأمريكية المعروفة مثل أبل العديد من الهواتف الذكية هناك.

وبعد مرور عشرة أعوام على الأزمة المالية العالمية، بقي معدل الاستهلاك القومي الأمريكي في نسبة تقارب 70% من الناتج القومي الإجمالي , لكن من غير المرجح أن تعتمد الاقتصادات الأمريكية والعالمية على مصدر الطلب هذا لعشر سنوات أخرى، ولهذا بالتحديد، ينبغي الترحيب بالنمو السريع للصين من قبل الجميع- خاصة الشركات الغربية، التي تعتمد محصلتها النهائية بشكل متزايد على المستهلك الصيني.

ونظرا لإمكانية نموه، سيواصل سوق المستهلك الصيني جذب الشركات والمستثمرين الأمريكيين، بما في ذلك سيليكون فالي. ولحد الآن، لا يبدو أن القوانين الصينية أحبطت الشركات التكنولوجية الكبرى المتواجدة بالولايات المتحدة الأمريكية. وتقول مصادر أنه حتى غوغل، التي تركت الصين منذ ثمانية أعوام، في صدد تطوير محرك بحث خاضع للرقابة للاستجابة لشروط الحكومة الصينية، من أجل دخول لأسواقها من جديد. وينطبق نفس الشيء على مستثمري سيليكون فالي مثل سيكوا التي كانت نشيطة جدا في مجال الشركات الصينية الجديدة لاستثمار لعدة أعوام.

ويمكن لدول أخرى أن لا تتفق مع أسلوب الصين في التعامل مع الحكومة القومية. ولكن بصفتها دولة سيادية، فلدى الصين مبرر في اعتماد السياسات التي تراها مناسبة، على الأقل حتى تظهر دلائل تثبت أن شعبها يعارض خارطة الطريق التي رسمتها لنفسها. ويدل الانتشار الواسع للتطبيقات الرقمية مثل ويتشات-النسخة الصينية الشاملة لتطبيق واتساب- على أن رقابة الحكومة لا تعيق المستهلك الصيني بشكل خاص، فهو يستمتع بغِنَى المنصات الجديدة التي هي في متناول يديه. وهناك دلائل تشير إلى أن بعض الشركات التكنولوجية الأمريكية ليست لها السيطرة الكاملة على منصاتها. وقد لا يليق تَحَكُّم الصين في تصرف الشركات بالشركات المتحررة من قيود القوانين، لكن قد تحصل على بعض الامتيازات الاجتماعية.

وبالنسبة لقضية هواوي، إذا تبث أن الشركة اخترقت بالفعل الاتفاق الذي يلزمها بعدم تحويل التكنولوجيا الأمريكية إلى إيران، فمن المنطقي إذا أن يكون هناك عواقب. وينطبق هذا على أي شركة تصدير: فالعقوبات الأمريكية الثانوية تعني أنه ينبغي على الشركات والحكومات في كل مكان أن تقرر ما إذا كان تعاملها التجاري مع إيران أهم من تعاملها التجاري مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ولكن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تفكر مليا بتصرفاتها. فإلى حد ما، مكانة الدولار كوسيلة عالمية للأداء وكعملة احتياط قد يواجه تحديات. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قاسية في تنفيذها للعقوبات الثانوية، فالدول الأخرى إما قد تخلق نظام أداء خاص بها، أو انها ستمنع شركاتها من المزيد من التعاملات التجارية مع الشركات التجارية الأمريكية.

ويبقى السؤال بشأن ما إذا كان ممكنا أن تصبح الصين أكبر اقتصاد في العالم دون تحقيق سيطرة تكنولوجية مفتوحة. لكنه لا ينبغي أن يصيب الدول الأخرى بالهوس على حساب نموهم الاقتصادي واستقرارهم الطويل الأمد.

المصدر: PS، موقع "اللواء"