بعد تفاقم الأزمة اليمنية إثر تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي بإعلانه، الأسبوع الماضي، سعيه لتنفيذ ما يسميه بـ "الحكم الذاتي للجنوب"، في خطوة مفاجئة، زعزعت اتفاق الرياض مجددا وما تلاه من مقترحات لإنهاء الخلاف مع الحكومة الشرعية برئاسة عبدربه منصور هادي، قدّمت السعودية يوم الأربعاء، آلية لتسريع العمل بالاتفاق عبر نقاط تنفيذية تتضمن استمرار وقف إطلاق النار والتصعيد بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي والذي بدأ سريانه منذ أواخر حزيران لماضي.
وتشمل الآلية التي نقلتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) "إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي التخلي عن الإدارة الذاتية، وتطبيق اتفاق الرياض وتعيين محافظ ومدير أمن لمحافظة عدن، وتكليف رئيس الوزراء اليمني ليتولى تشكيل حكومة كفاءات سياسية خلال 30 يوماً."
ولفض النزاعات المتصاعدة بين الجانبين، ينص المقترح الأخير على "خروج القوات العسكرية من عدن إلى خارج المحافظة وفصل قوات الطرفين في (أبين) وإعادتها إلى مواقعها السابقة، وإصدار قرار تشكيل أعضاء الحكومة مناصفة بين الشمال والجنوب بمن فيهم الوزراء المرشحون من المجلس الانتقالي الجنوبي، فور إتمام ذلك، وأن يباشروا مهام عملهم في (عدن) والاستمرار في استكمال تنفيذ اتفاق الرياض في كافة نقاطه ومساراته."
ونوه البيان السعودي بأن "طرفي النزاع قد استجابا وأبديا موافقتهما على هذه الآلية لبدء العمل بها، لتجاوز العقبات القائمة وتسريع تنفيذ اتفاق الرياض، وتغليب مصالح الشعب اليمني وتهيئة الأجواء لممارسة الحكومة، جميع أعمالها من عدن وانطلاق عجلة التنمية في المناطق المحررة، والدفع بمسارات إنهاء الأزمة اليمنية وعلى رأسها مسار السلام الذي ترعاه الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن."
ترحيب الحكومة اليمنية
من جانبه اعتبر مستشار الرئيس اليمني عبد الملك المخلافي في تغريدة على تويتر أن " تنفيذ اتفاق الرياض وتشكيل حكومة فاعلة، سيخلق مرحلة جديدة من الشراكة والثقة والفعالية في مختلف المجالات بين الشرعية اليمنية ممثلة في الرئيس هادي والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، تتناسب مع حجم التضحيات المشتركة التي قدمت وتحقق الأهداف المرسومة، وتبني مستقبل واعد."
بالتزامن مع إعلان الآلية الجديدة أعلنت الحكومة اليمنية تعيين حامد الأملس محافظا لعدن ومحمد الحامدي مديرا للأمن. كما كلف معين عبد الملك بتشكيل الحكومة.
التنازل عن الحكم الذاتي
وفي سياق متصل، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، التخلي عن إعلان الإدارة الذاتية ودعا إلى توحيد الجهود المشتركة لمواجهة ميليشيات الحوثي والجماعات الإرهابية، وكذلك تنمية محافظات الجنوب.
وذكر البيان:" كوننا قد حققنا الأهداف التي قام إعلان الإدارة الذاتية عليها لتنفيذ اتفاق الرياض بتشكيل حكومة جديدة مناصفة بين الشمال والجنوب خلال ثلاثين يوماً، وتعيين محافظ ومدير أمن للعاصمة عدن، ونقل القوات العسكرية الى الجبهات القتالية لتحل محلها قوات الأمن، يعلن المجلس الانتقالي التخلي عن إعلان الإدارة الذاتية."
وشدد الانتقالي على "استمرار وتعميق الشراكة الاستراتيجية مع التحالف العربي على كل الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، من خلال الأهداف المشتركة في محاربة التدخلات الإيرانية في المنطقة، ومحاربة الجماعات الإرهابية، ومكافحة الأنشطة المتطرفة، وكذلك تأمين خطوط الملاحة البحرية وخليج عدن ومضيق باب المندب، ومنع التهريب وتصدير الفوضى عبر المكونات والأشخاص."
وأكد المتحدث الرسمي للمجلس نزار هيثم، دعم المجلس لجهود التحالف العربي في تنفيذ اتفاق الرياض، منوهاً بعمق الشراكة مع التحالف العربي في مواجهة ميليشيات الحوثي والجماعات الإرهابية وكذلك تنمية محافظات الجنوب.
توافق مشترك
من جانبه، قال نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، إن جهود ولي العهد السعودي أثمرت في قبول الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي للآلية المقترحة لتسريع وتفعيل تنفيذ اتفاق الرياض، وتحقيق الزمن والاستقرار في اليمن.
وأكد الأمير خالد بن سلمان على أمن واستقرار اليمن وعودته القوية كعضو فاعل في محيطه الخليجي والعربي هدف رئيسي لتحالف دعم الشرعية اليمنية، وأضاف، "مشاركة القيادات السياسية اليمنية مع المملكة لتقريب وجهات النظر والوصول إلى التوافق على الآلية المقترحة لتنفيذ اتفاق الرياض نموذج يحتذى به، لإمكانية حل الخلافات اليمنية بالحوار دون الحاجة لاستخدام القوة العسكرية."
توحيد الصف اليمني
وتسعى السعودية لتنفيذ "اتفاق الرياض"، الذي أعلن بعد توقيع مصالحة بين الطرفين بالعاصمة السعودية في الخامس من تشرين الثاني 2019، الذي استند إلى عدد من المبادئ، أبرزها التزام حقوق المواطنة الكاملة، ونبذ التمييز المذهبي والمناطقي، ووقف الحملات الإعلامية المسيئة بينهما.
وقدمت الرياض، في حزيران الماضي، مقترحاً يهدُف إلى إنهاء الخلاف بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بعدما ساءت الأوضاع بينهما في أبريل الماضي، على إثر إعلان الأخير الحكم الذاتي بعدن، المقرّ المؤقت لـ "الشرعية"، بعد استيلاء الحوثي على العاصمة صنعاء عام 2014.
وتكمن أهمية تنفيذ هذه المقترحات لدى دول التحالف في وضع حد للاشتباكات بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي التي يعتقد بأنها تشتت مساعي قواتها لإيقاف تمدد الحوثيين، وتعطل مساعي الأمم المتحدة، لإنهاء الصراع المدمّر الذي يشهده اليمن، وحماية قطاع الصحة المتعثر من وباء كورونا.
وأقدم الحوثيون على استهداف مدن سعودية بهجمات صاروخية الشهر الماضي بعد ساعات على إعلان التحالف العربي في اليمن، عودة الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى طاولة الحوار بمبادرة من الرياض.
ويشهد اليمن منذ سنوات صراعاً مسلحاً بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي بعد انقلاب الأخيرة على حكومة عبدربه هادي، وفرض سيطرتها على العاصمة صنعاء، الأمر الذي دفع بالتحالف العربي بقيادة السعودية إلى التدخل عام 2015 للمساعدة في استعادة العاصمة من الميليشيات التي تتهمها الرياض بالولاء إلى إيران.
وتتخذ الحكومة اليمنية من عدن عاصمة مؤقتة لها، إلى حين استعادة المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وتصاعدت معاناة البلاد إثر النزاع القائم بعد تفشي فيروس كورونا عالمياً وسط نقص حاد في الأدوية، وانتشار أمراض أخرى كالكوليرا وسوء التغذية.