أقدمت السلطات العراقية مرة أخرى امس على قطع شبكة الإنترنت بالكامل في بغداد وجنوب البلاد حيث دخلت الاحتجاجات الداعية إلى «إسقاط النظام» شهرها الثاني، بعد ساعات من مواجهات قرب مقار حكومية في العاصمة.
سياسيا قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إن المظاهرات الحالية في العراق شخصت أخطاء متراكمة منذ عام 2003، لكنه أكد أن الحكومة لن تقدم استقالتها دون وجود بديل.
وفي كلمة له نقلها التلفزيون العراقي، أشار عبد المهدي إلى أن استقالة الحكومة قد تتسبب في فراغ ربما يأخذ العراق إلى المجهول.
وأضاف أن الجميع يُقر بسلمية المظاهرات، لكن البعض يتخذها درعا بشريا للتخريب، مشيرا إلى أن القوات العراقية إلى الآن في وضع دفاعي وليس هجوميا، وهي لا تستخدم الرصاص.
واعتبر عبد المهدي أن إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وهو ما اقترحه رئيس الجمهورية برهم صالح، أمر غير ممكن.
وقتلت قوات الأمن العراقية 13 محتجا على الأقل بالرصاص خلال 24 ساعة مضت متخلية عن ضبط النفس الذي مارسته نسبيا على مدى أسابيع فأطلقت الرصاص الحي في محاولة لإخماد الاحتجاجات المناهضة للأحزاب السياسية التي تسيطر على الحكومة.
فبعد مقتل ثمانية أشخاص نهار الاثنين قتلت قوات الأمن خمسة أشخاص على الأقل بالرصاص أثناء ليل الاثنين أو في الساعات الأولى من صباح امس منهم شخص قتل بالرصاص الحي أثناء دفن آخر قتل قبل بضع ساعات وفقا لما قالته مصادر أمنية وطبية .
وقتل أغلبهم في الأسبوع الأول من الاحتجاجات عندما أطلق قناصة النار على الحشود من فوق أسطح المباني في بغداد.
ولكن بعد أن بدا أن الحكومة حدت من استخدام بعض أساليب القتل تزايدت المظاهرات تدريجيا في الأيام الاثني عشرة الماضية.
وقال متظاهر يبلغ من العمر 30 عاما وطلب عدم ذكر اسمه بسبب مخاوف أمنية «بعد الموجة الأولى من الاحتجاجات أمهلنا الحكومة حتى 25 تشرين الاول لتنفيذ إصلاحات... لم تفعل ذلك وكل الإصلاحات التي اقترحتها كانت مجرد روتين ونفس الكلام القديم».
وأضاف أن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين أدى لرفعهم لسقف مطالبهم بعد أن كانوا يريدون «إصلاحات دستورية وقانونية» أصبحوا يريدون الآن تغييرات جذرية.
وكان المتظاهر يتحدث من على جسر الشهداء في بغداد حيث كان العشرات يقيمون حاجزا في إطار خطط للسيطرة على جسر ثالث . وكان فتيان يحملون عصي خشبية في طليعة المجموعة.
وقفت قوات الأمن في عتاد مكافحة الشغب الكامل في الجهة المقابلة لهم خلف جدار نصب على عجل من الألواح المعدنية وحاويات القمامة والأسلاك الشائكة.
ويقول المحتجون إنهم يغلقون الجسر لشل الحركة في البلاد إذ يعتبرون أن العصيان المدني ملاذهم الوحيد.
ودعا المحتجون باقي العراقيين إلى الإضراب وانتقدوا من لا يزالون يتوجهون لأعمالهم.
وفي محافظة البصرة الغنية بالنفط، جنوب العراق، يواصل متظاهرون منذ أيام عدة غلق الطريق المؤدية إلى ميناء أم قصر، أحد المنافذ الحيوية لاستيراد المواد الغذائية والأدوية للبلاد.
وغادرت غالبية السفن التجارية من دون أن تتمكن من تفريغ حمولتها، وفقا لمصدر في الميناء.
وأغلقت المؤسسات الحكومية بالكامل في مدن متفرقة بينها الناصرية والديوانية والكوت، جنوب البلاد، بحسب ما أفاد مراسلو فرانس برس.
وفي ظل انقطاع كامل للإنترنت في بغداد والجنوب، تواصل القوات الأمنية اتخاذ إجراءات لمنع وصول أو تفريق حشود المحتجين، الذين يواصلون التظاهر، خصوصا في ساحة التحرير الرمزية، وسط بغداد، فيما أعلنت مصادر طبية عن مقتل اثنين من المتظاهرين.
ويؤكد متظاهرون في ساحة التحرير، بأن العنف و قطع الانترنت بهدف تقليص أعداد المحتجين ليلاً، لن يثمر شيئاً.
وقال عمار (41 عاماً) لفرانس برس «لقد قطعوا الإنترنت قبل ذلك، وهذه مرة أخرى، وسيكون من دون فائدة».
وكانت السلطات قطعت الانترنت لمدة أسبوعين الشهر الماضي، وشددت الخناق على شبكات التواصل الاجتماعي التي لا تزال محجوبة حتى الآن، إلا من خلال استخدام تطبيقات «في بي أن».
وقالت منظمة «نيت بلوكس» للأمن الإلكتروني إن «هذا القطع الجديد هو أسوأ القيود التي فرضتها الحكومة العراقية منذ بداية التظاهرات» في الأول من تشرين الأول.
وقال متظاهر آخر لفرانس برس إن «القادة لا يخيفوننا، هم من يخافوننا لأننا مسالمون»، مضيفاً «الطغاة يرحلون والناس يبقون».
وتركز غضب المتظاهرين الذين يطالبون بـ«إسقاط النظام» خلال الأيام الماضية، على إيران صاحبة النفوذ الواسع والدور الكبير في العراق، إلى جانب الولايات المتحدة التي لم يشر إليها المحتجون خلال التظاهرات، وهي بدورها لم تبد تفاعلاً تجاه الأزمة الحالية في البلاد.
ويتهم جزء كبير من الشارع العراقي إيران بالوقوف خلف النظام السياسي الذي يعتبرونه فاسداً ويطالبون بإسقاطه.
(ا.ف.ب-رويترز)