اتخذت الاحتجاجات في العراق منعطفاً عنيفاً امس مع وقوع مواجهات في وسط بغداد، واستخدام قوات الامن الرصاص الحي ضد المتظاهرين للمرة الأولى خلال عشرة أيام، ادى الى مقتل خمسة أشخاص في بغداد من المحتجين الذين واصل الآلاف منهم الاحتشاد في أكبر موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة العراقية منذ عقود بعد ليلة عنف دامية خلفت أربعة قتلى من المتظاهرين أمام القنصلية الإيرانية في كربلاء التي انتفضت ضد تدخلات طهران في الشأن العراقي الداخلي.
ورأى مصور من رويترز مقتل رجل بالرصاص في حين نقل محتجون آخرون جثته عندما أطلقت قوات الأمن الرصاص على المتظاهرين قرب جسر الأحرار في بغداد.
كما كان المصور شاهدا على مقتل أربعة أشخاص آخرين على الأقل.
وقالت مصادر أمنية وطبية إن أربعة أشخاص قتلوا وإن عدد المصابين بلغ 34، لكنها أكدت فقط مقتل شخص واحد بالرصاص الحي.
وأضافت المصادر أن اثنين قتلا بسبب استخدام الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع.
وقالت المصادر إن شخصين قتلا، أحدهما شرطي، عندما فتحت القوات الخاصة المكلفة بحراسة المنطقة الخضراء النار على محتجين وأصابت 22 على الأقل منهم.
وقال متحدث باسم رئيس الوزراء إن مجموعة من المحتجين عبروا الجسر وأضرموا النيران في مطعم مما دفع قوات إنفاذ القانون إلى التعامل معهم، دون أن يحدد طبيعة هذا التعامل.
وكانت مصادر أمنية وطبية ذكرت أن ثلاثة محتجين آخرين قتلوا في ساعة متأخرة من مساء الأحد عندما فتحت قوات الأمن العراقية النار على حشد من المحتجين حاولوا اقتحام القنصلية الإيرانية في كربلاء.
واحتشد الآلاف من المحتجين المناهضين للحكومة في وسط بغداد في تحد لمناشدة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لهم بالهدوء.
من جهتها، ابدت مبعوثة الأمم المتحدة الى العراق «الاستياء ازاء إراقة الدماء» ودعت إلى «عدم التقليل او اساءة تفسير الإحباط الشديد لدى العراقيين».
واندلعت ليل الأحد أعمال عنف في كربلاء عندما حاول متظاهرون حرق مبنى القنصلية الإيرانية ورفعوا الأعلام العراقية على الجدار الخرساني الذي يحيط بالمبنى وكتبوا عليه «كربلاء حرة حرة.. إيران برة برة»، فيما ألقى آخرون أمام أنظار قوات الشرطة الحجارة على المبنى.
وأطلقت قوات الأمن المسؤولة عن حماية المبنى الرصاص الحي تجاه المتظاهرين، ما أدى الى مقتل أربعة منهم، وفقا لكوادر الطب العدلي في المدينة التي تبعد مسافة مئة كيلومتر إلى جنوب بغداد.
وقال متظاهر شاب إنهم «لا يطلقون النار في الهواء، النية القتل وليس التفريق».
وأضاف «إنهم يحمون القنصلية الإيرانية ونحن نريد بلدنا حراً، لا نريد أن يحكمنا بلد آخر».
وأكد اخر انه «إذا قال محافظ كربلاء إن هؤلاء المتظاهرين لديهم قنابل وسلاح، فهم كاذبون، لا يملكون غير الحجارة والقوات الأمنية ترميهم بالرصاص».
ويتهم جزء كبير من الشارع إيران بأنها مهندسة النظام السياسي الذي يعتبرونه فاسداً ويطالبون بإسقاطه.
وتركز غضب المتظاهرين الذين يطالبون بـ«إسقاط النظام» خلال الأيام الماضية، على إيران صاحبة النفوذ الواسع والدور الكبير في العراق، إلى جانب الولايات المتحدة التي لم يشر إليها المحتجون خلال التظاهرات، وهي بدورها لم تبد تفاعلاً تجاه الأزمة الحالية في البلاد.
ورفع محتجون في مدينة النجف ايضاً، لافتة مماثلة عند مدخل مبنى مجلس المحافظة، وفقا لمراسلي فرانس برس.
وشهدت الاحتجاجات التي انطلقت في الأول من تشرين الأول الماضي، أعمال عنف دامية، أسفرت عن مقتل نحو 270 شخصاً، بحسب إحصاء، إذ أن السلطات تمتنع منذ نحو أسبوع عن نشر حصيلة رسمية.
لكنها اتخذت منذ استئنافها في الرابع والعشرين من الشهر نفسه، طابعاً احتفالياً في بعض الأحيان، في ساحات المدن التي احتلها طلاب ونقابات وكوادر طبية.
وفي أماكن أخرى من البلاد، تزايدت موجة العصيان المدني، خصوصاُ مع إعلان مختلف النقابات الإضراب العام.
ووضع متظاهرون حواجز اسمنتية كتب عليها أيضاً «مغلق بأمر الشعب»، على الطريق المؤدية إلى ميناء أم قصر بجنوب العراق، الذي يعد منفذاً حيوياً لاستيراد المواد الغذائية .
وغادرت عشرات السفن الميناء من دون أن تتمكن من تفريغ حمولتها، بحسب ما أكد مصدر في الميناء .
وفي العمارة، مركز محافظة ميسان في جنوب البلاد، أقدم متظاهرون على إغلاق حقلين نفطيين تديرهما شركات صينية، وهما حلفاية، الذي يعد من أكبر حقول النفط، والبزركان.
ولم يتوقف الإنتاج في تلك الحقول، غير أن بعض الموظفين أكدوا إنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى مواقع عملهم. وفي السماوة بجنوب العراق أيضاً، أغلق متظاهرون الجسور والطرقات الرئيسية لمنع وصول الموظفين الى أماكن عملهم، كما هو الحال في مدن أخرى كالناصرية والحلة.
ورغم الوعود والإجراءات التي اتخذتها السلطات، لم يستجب المتظاهرون في بغداد وباقي مدن البلاد بوقف الاحتجاجات. وتزايد عدد المتظاهرين في ساحة التحرير رغم حظر التجول ليلا.
وقال المتظاهر من كربلاء «الإيرانيون والأحزاب المرتبطة بهم يؤذوننا. لن نسمح لأي إيراني بالبقاء في كربلاء. لن نسمح لأي تابع بالبقاء في كربلاء... لن يبقى أي إيراني في كربلاء أو في أنحاء العراق».
(أ ف ب - رويترز)