لست بموقع الدفاع والتبرير عن المهنة لكن، الصحافة هي الطور الأولي من أطوار الإعلام، وليست المنظومة الصحفية مقصورة على نقل الأخبار فحسب، بل هي فن يحتاج لحبكة إعلامية وتحليل عميق وأسلوب أدبي رشيق وثقافة رصينة .. فيما يعرف بـ «الفن الصحفي».
فالتقرير الصحفي الجيد –هو في جوهره عملية خلق وابتكار، ولكن ذلك يتطلب بطبيعة الحال نظرة جريئة وتعبيراً موضوعياً.
والفن الصحفي على النقيض من الفن الأدبي، لأنه تعبير موضوعي، وابتعاد تام عن الذاتية التي يتصف بها الأديب .. فالأديب يعني بنفسه، ويقدم لنا ما يجول بخاطره، ويسجل ما يراه وفقاً لرؤيته الخاصة، وبرموز وإشارات تنم عن ثقافته وتجاربه وعقليته.
أما الصحفي فهو ملتزم بالموضوعية والحدث توصيفا وتحليلا، ومعني بنقل الخبر إلى الجمهور أكثر من الاهتمام بوصف مشاعره ونظرته الخاصة للموضوع.. إن الصحفي «فنان موضوعي» يقدر الواقع ويرصده بصدق وأمانة واحترافية، أن ركيزة الصحافة قائمة على الوقائع المشاهدة، وتنأى عن المبالغات والتهاويل.
والصحافة مثلها مثل أي رسالة إعلامية منها النافع المفيد ومنها الضار الخبيث،ومن أخبث أنواع التحقيقات الصحفية ما يسمى بـ «تحقيق الهروب»، حيث يصنف هذا النوع بأنه من أخطر أنواع التحقيقات الصحفية، حيث يتم الاعتماد عليه في «إلهاء الناس» وإبعادهم عن التفكير في مشاكلهم الرئيسية، بل إن هذا النوع حينما ينسحب على فنون الصحافة الأخرى من مقالات وتقارير وغيرها، فهو يقوم بدفع المتلقي بطرق خفية وغير مباشرة إلى نسيان قضاياه المصيرية وهمومه الملحة.
وبهذا تتحول مهنة الصحافة في خفاء ومكر ودهاء من منبر للتمكين المعرفي والثقافي إلى منبر تسطيح وتسفيه وتجهيل.
ويصف الرئيس الأميركي (جيفرسون) الصحافة بأنها أداة لتنوير عقل الإنسان٬ ولتقدمه ككائن عاقل أخلاقي واجتماعي.
ويقول (أدولف. س. أوكس)٬ ناشر جريدة نيوورك تايمز: «إن الصحافة مهنة لا تستميلها الصداقات٬ ولا يرهبها الأعداء٬ وهي لا تطلب معروفاً٬ ولا تقبل امتناناً .. إنها مهنة تتغاضى عن العاطفة٬ والتحيز٬ والتعصب إلى أبعد الحدود٬ فهي مكرسة للصالح العام٬ ولفضح الألاعيب والانحرافات٬ والقصور في الشؤون العامة٬ وتتعامل بروح العدل والإنصاف٬ مع أصحاب الآراء المعارضة٬ مهنة شعارها «ليكن هناك نور».
لمصلحة من ولماذا يتم استهداف قيادة الجيش اللبناني وقد تعمدت قيم «السيادة والحرية والاستقلال بالشرف والتضحية والوفاء»؟!.
مع تصاعد الانهيارات في المؤسسات الوطنية اللبنانية بفعل الفساد والافساد وغياب الروح الوطنية وتنامي الادوار الموازية لا سيما في «الامن والعسكر«تحت عناوين من التسييس والادلجة، خدمة للمصالح الشخصية والاقليمية، شكلت حالة الاستعصاء على الاختراق السياسي والاعلامي لمؤسسة الجيش اللبناني تفرداً وتحدياً أثار حفيظة البعض،فكان لا بد من بعض الاساليب «المشفرة».
من الصعوبة بمكان في زمن كثرة استدعاء الصحفيين، ان يضع المرء نفسه بين «عين وعين» على رأي وزيرة الاعلام منال عبد الصمد، لكنني آليت على نفسي دائماً مع الزملاء في مهنة المتاعب «ان انصر زملائي «ظالمين ومظلومين» فإن كانوا مظلومين وقفت الى جانبهم وإن كانوا ظالمين نهيتهم عن ذلك.
في قصة استهداف قائد «فجر الجرود» العماد جوزف عون، اقول مهلاً ايها الزميل العزيز، لطالما احترمت جرأتك ومهنيتك وشجاعتك لكنك هذة المرة تسرعت وجافيت الحقيقة والرجوع عن الخطأ فضيلة،لأن استهداف القائد على هذة الصورة في هذا التوقيت هو استهداف للمؤسسة.
ما هكذا تورد الا بل يا زميل فلا تجزى الحسنة بالسيئة، العماد عون اقدم حيث لا يجرؤ الآخرون أنه مكرراً بطل «فجر الجرود» والتاريخ والحاضر المشرف والمستقبل الواعد وصاحب النقاء الوطني والانضباط العسكري وعلى صورة المؤسسة التي نفتخر باقي الرفاق, اطمئن ايها الزميل لن تسقط مؤسستنا العسكرية في قبضة التطويع لا بالترهيب ولا بالترغيب، لا للطوائف ولا للتيارات والاحزاب ستبقى فقط رهن اشارة المصلحة الوطنية العليا، والرسالة الحضارية اللبنانية الجامعة.
تفيد بعض التحليلات بأن استهداف الجيش يأتي في سياق ممنهج طويل الامد، وحالة الاستعصاء على التطويع والاختراق اخرجت البعض عن طورهم، وما زج القيادة في قضية المرفأ الا من اجل الضغط في ملفات اخرى وردت في مضمون بعض المقالات وشكلت تقاطعاً يفيد باتجاهات الحملة الممنهجة تتعلق بدور الجيش بضبط المعابر والحدود ومحاولة ثنيه عن القيام بواجباته الموكلة اليه بنص الدستور ويتعلق بالمفهوم العملي لتقاطع السياستين الدفاعية والخارجية على اسس وطنية،حيث يرى البعض انها تتناقض مع سياسة المحاور وقد اوكلوا انفسهم للدفاع عنها، ويتعلق هنا خصوصاً بما يصفونه بالعلاقة المعتلة بين الجيش والامريكيين والتي تجب ملاحقتها بالتصاريح المفبركة وعلى هذا الاساس تتم مقاربة العلاقة اللبنانية مع عمقه العربي وانفتاحه الدولي في بعض الغرف المظلمة.
هذا التخوف وفي ظل استعصاء مشادة التأليف الحكومي وضمانات ما بعد فترة العهد الحالي، يسعى لقطع طريق بعبدا على اي قائد جيش مقبل يحمل مفاهيم سيادية تتقاطع فيها المصلحة الوطنية العليا لا سيما في السياستين الدفاعية والخارجية.
* كاتب صحفي
ومحلل سياسي