بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 كانون الأول 2019 06:15ص تمرينات لبنانية على توترات مقبلة خطيرة!

من خريف التسوية إلى خريف الحَراك

حجم الخط
«انهيار إقتصادي» أم «أسوأ أزمة اقتصادية» تعصف بلبنان منذ الحرب الأهلية التي استمرت من عام 1975 إلى عام 1990، وهي بالطبع، الأشد منذ العودة إلى السلم الأهلي البارد، منذ إجراء أول انتخابات نيابية عام 1992 إلى اغتيال رفيق الحريري 2005، وصولاً إلى التدهور الخطير، الذي يشهده لبنان، ويترك انعكاساته على مرافق الحياة كلها، لا سيما المرافق الاقتصادية والحيوية.

ومن المؤشرات المخيفة: 1- انفلات سعر صرف الليرة، وتحطيم السعر الرسمي، الذي ثبته مصرف لبنان، باعتباره السلطة النقدية في سوق القطع، وفقا لقانون النقد والتسليف، وارتفاعه تباعاً إلى سقف 2350، في بورصة أسعار، غير محددة السقف، يعزوها الصيارفة، وهم أصحاب الكلمة الفصل، إلى قانون العرض والطلب.

2- شحّ غير مسبوق في كميات الدولار في المصارف ولدى الصيارفة، ولدى أصحاب الشركات والمستوردين والتجار، وحذرت قطاعات المحروقات والمستشفيات والقمح من انها لن تتمكن من استيراد مواد أساسية بسبب شح الدولار.

3 - انقطاع عدد من الأدوية، لا سيما للأمراض المستعصية (كالسرطان مثلاً)، فضلاً عن ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية، مما قلَّص القدرة الشرائية لدى اللبنانيين.

4 - في خضم الأحداث الاحتجاجية التي انفجرت بوجه وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال في 17 أكتوبر (ت1 الماضي) رفضاً لـ5 دولارات في الشهر على خدمة الـ(WhatsApp) الواتسآب، والتي تقترب من إنهاء أسبوعها السابع (47 يوماً) قلت مشاريع العمل، وأخذت المؤسسات الصغيرة والكبيرة خطوات تبدأ من خفض الرواتب المتهالكة تحت وطأة انهيار سعر العملة الخضراء والعملة الوطنية (الليرة) إلى التسريح من العمل، فضلاً عن الاضطرار إلى الاقفال، إضافة إلى الاجازات القسرية غير المدفوعة، في مؤشرات عن صرف تعسفي يطال العمال والمستخدمين، لترتفع معدلات البطالة إلى ما يزيد عن 40٪، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، ومعدلات الفقر إلى 50٪، مع وقوع اقتصاد «الخدمات والسياحة» تحت وطأة أزمة كارثية، هددت آلاف المؤسسات بالإقفال وعشرات آلاف الموظفين من العمال بفقدان وظائفهم.

5 - وما زاد الطين بلة، مشهد الجمعة الماضي، عندما تسمر الألوف في الشوارع أو السيّارات، مشكلين طوابير، تذكر بمشاهد جماهير «انظمة الصمود والتصدي»، بحثاً عن الخبز، والأرز، والسكر، والحليب.. بحثاً عن بضعة ليترات من البنزين... وهكذا ينتقل اللبنانيون، باذلال من المصرف، شحذاً لبضع دولارات، أو ليترات من البنزين.

6 - وفي المشهد الاقتصادي، تتوقع معطيات البنك الدولي، ان تشهد معدلات الركود ارتفاعاً، مع نمو سلبي بنحو 0،2 بالمائة، مع ارتفاع الدين العام إلى 86 مليار دولار، أي ما يعادل 150 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

وفي المقلب الآخر، يفاخر لبنان المصارف والمعجزات المالية، على لسان رئيس جمعية المصارف سليم صفير ان البلد أوفى بتعهداته وسدَّد سندات دولية بقيمة 1،5 مليار دولار/ ديون عندما حان موعد استحقاقها الخميس الماضي (28ت2)... معتبراً ان لا خوف على الودائع، أو لن تكون هناك قيود رسمية على رؤوس الأموال.

7 - في السياق هذا، يقترح وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال المحامي كميل أبو سليمان، والذي يمتلك مكتباً للمحاماة يدير الجانب القانوني لعمليات إصدار «اليوروبوندز» إمكانية اتجاه لبنان إلى الطلب من دائنيه الدوليين قبول تأخره عن مواعيد التسديد أو دفعه اقساطاً أقل قيمة، أو ما يُمكن وصفه بـ «إعادة هيكلة الدين العام».

8 - وحسب، صحيفة «الفايننشال تايمز» ونقلاً عن خبراء اقتصاديين، فإن الهندسات المالية التي نفذها مصرف لبنان لم تعد تكفي لمواجهة الأزمات العاصفة الآن... فالاعتمادات المالية بالدولار التي فتحها المصرف لتغطية الفروق المالية، لاستيراد النفط والقمح والأدوية سرعت من استنزاف احتياطي الدولار، والذي تراجع بقيمة 900 مليون دولار في الأسبوع الأوّل في ت2 الماضي.. وتقدر وكالة «موديز» خدمة الدين الخارجي للعامين الحالي والمقبل بـ6،5 مليارات دولار..

9 - ومن هذه الوجهة، تنسب الصحيفة اللندنية إلى مصدر في «بنك اوف اميركا» تحذيره من ان مصرف لبنان والمصارف التجارية تشتري الوقت، ضمن الإجراءات الاستثنائية على حساب انكماش النشاط الاقتصادي، عبر تخفيض سقف السحوبات اليومية من العملات الصعبة.

10 - وفي المشهد الآخر، لا يعتقد هؤلاء الذين فقدوا عملهم في حمأة الحراك في الشارع، ان فقدان الرواتب والأعمال ليس بسبب «الثورة»، بل ان الثورة سرَّعت في بعضها..

11 - كان للأنترنت دوره الكبير، في انتشار وتوسيع حركة الاحتجاجات الشعبية ضد الرشوة والفساد، واستبداد الطبقة السياسية.. وفي بلورة وانتشار السخط على السياسيين، والمصارف وحاكم مصرف لبنان، وطبقة الأثرياء المنتفخين من منافع السلطة ونفوذها.. وهذا ما عبّرت عنه الشعارات القوية التي استقطبت الجموع البشرية من المحافظات وبيروت والقرى، والتي خرجت شاهرة سيف السخط على كل شيء..

.. وبعد فما الذي حدث؟ وما تحقق؟

1 - كان لبنان ينتظر الحصول على 11.6 مليار دولار كهبات وقروض، اقرها مؤتمر «سيدر» في باريس عام 2018، مقابل إصلاحات هيكلية وخفض عجز الموازنة، فإذا بالمشهد يتغيّر، لا قروض ولا مليارات بل انهيارات في النظام المالي، وعجز في النظام السياسي، وتحوَّل النّاس إلى حفلات تشبه «مسرح العرائس» في الروايات الأميركية..

2 - انقلب السحر على الساحر، وجرى ربط مباشر بين الانهيارات المالية في بيروت، ودمشق، فإذا بالدولار سيف ذو حدين في إعادة رسم الوقائع، وإذا بالأزمة الناشئة في لبنان تنجح بتجفيف منبع حيوي للدولارات، وتراجع الليرة السورية إلى مستويات قياسية من الانخفاض. فالأثرياء السوريون، الذين وضعوا اموالهم المهربة من بلدهم في المصارف اللبنانية، باتوا عاجزين عن تحويلها أو سحبها، وعليه توقف تدفق الدولارات من لبنان إلى سوريا، بعد حبس تلك «الودائع في المصارف اللبنانية».. وفضلاً عن حبس تلك الودائع التي تقدر بمليارات الدولارات، بدأ العمال السوريون في لبنان يشعرون بأن وظائفهم مهددة أيضاً..

3 - «ثورة» أم «حراك» أم انتفاضة، فوضى في التعابير والمصطلحات، والشعارات، والتحركات والاحتجاجات والصدامات، وسقوط الضحايا.. والهدف واحد، إسقاط «التسوية الرئاسية»، والتصويب على شريك «حزب الله» في إدارة الدولة: التيار الوطني الحر، ومؤسسه الذي صار رئيساً للجمهورية العماد ميشال عون، بموجب تسوية خريف 2016.. فالشتائم، والسباب، ينصب على الفريق الممسك بالسلطة، الذي أذل اللبنانيين المحتشدين مع كل مساء في الساحات والشوارع، وعلى الطرقات.

في خريف 2019، سقطت تسوية خريف 2016.. وراح المشهد ينحدر باتجاه صناعة الفوضى..

ومن صناعة الفوضى، تطرح الأسئلة عن صناعة الفتنة، على الرغم من حركات النسوة، امهات، الأولاد واليافعين، الذين يُمكن ان يتحولوا في أية لحظة إلى شرارة حرب دامية، أهلية، أو طبقية أو طائفية أو مناطقية..

وفي الخضم، تتزايد الأسئلة عن حجم الانهيار المحكوم بقوة دعائم، من الممكن ان تكبحه، وعن حجم الهريان، الذي نسف الثقة بالنظامين المصرفي والسياسي، في عقود قليلة من الرهان على إمكانية الانتقال إلى ضفة الدولة المدنية، المتاحة بتطبيق المادة 95 من الدستور..

ويخشى من شاهد الوقائع، وحلَّل الشعارات، وقرأ البيانات، من موجات مقبلة من التوترات، في إطار تمرينات اللبنانيين على احتمالات منتظرة لتدمير بنى، وبناء خرائط، سواء بدأت الاستشارات الملزمة اليوم أو غداً، أو تزين القصر الرئاسي لعيدي الميلاد ورأس السنة؟!