بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 كانون الثاني 2021 12:01ص كتاب مفتوح إلى الجسم القضائي اللبناني

حجم الخط
القاضي، كرويات الدم البيضاء والسنونوة

1. خلال الحرب العالمية الثانية، بهدف مواجهة الشر المطلق الذي كان يمثله هتلر ومن اجل التصدي لآلته العسكرية المرعبة، لم يكن هنالك من سبيل لكافة البلدان المهددة الا ان تتآلف فيما بينها. 

2. عندما يتسلل ميكروب ما الى الجسم، مهددا سلامته، تعمد الكريات اللمفاوية الى تنظيم  الدفاع عنه بالتكاثر أولا ومن ثم بالائتلاف والتجمع فيما بينها.

3. فالكريات اللمفاوية تدرك تماما أنه اذا كانت رؤية « سنونوة واحدة لا تبشر بقدوم الربيع»  فان كرية لمفاوية واحدة يتيمة لا تستطيع ايضا التغلب على المرض لوحدها. 

4. خلال الأشهر الستة المنصرمة، حاولت مجموعات عديدة من الثورة التكتل واالتآلف فيما بينها وذلك بهدف الوصول الى قيادة موحدة او الى هيئة تنسيق او الى مجلس موحد لادارة الثورة.

5. توجد عدة اسباب لعدم بلوغ هذه المحاولات الهدف المنشود. يمكن ان نذكر اثنين منها: 

- عدم تجانس مختلف مكونات الثورة(وهذا ليس بعنصر سلبي )

-غياب شخصية قيادية ذات رمزية وطنية يمكن ان يتوّحد حولها الجميع.

 6. فليكن. ولكن ثمة هنالك اسباب اخرى. سوف نتطرق الى واحدة منها. ان البديل متاح. فلنكف عن جلد الثورة. ولنوقف عملية جلدها لنفسها. 

 7. فالمكوّن اوالسلك الذي كان عليه أن ينضم الى الثورة بغية دعمها، او اكمال الطريق معها او عنها، او فتح آفاق جديدة لم يكن على الموعد. لقد طعنت الثورة من قبل الفئة التي كان يتوجب عليها مساندتها بالمرتبة الاولى والتي كان باستطاعتها ان تواصل دك مداميك السلطة. ان «اجمل امراة في العالم لا تستطيع ان تعطي الا ما عندها». فلقد اعطت الثورة مالديها. وكان على آخرين ان يتلقفوا الشعلة.

 ولكن لم يفعلوا... 

8. فلنوضح. عندما ينخر الفساد السلطتين الأولى والثانية، فعلى السلطة الثالثة اي السلطة القضائية ان تتدخل وان تحاسب. كما حصل ذلك في ايطاليا في التسعينيات من القرن الماضي.

9. ولكن للاسف ان ذلك غير ممكن عندنا. اذ ان السلطة القضائية هي رهينة السلطة السياسية  المافياوية. فهنالك قسم من القضاة منغمس في الفساد. ولكن ماذا عن الاخرين؟ النزيهين منهم والمستقيمين؟ لماذا لم يسمع صوتهم؟ 

10. اولى الاجوبة التي قد تحضر الى البال هي انهم يخافون. فهنالك قسم يخاف على مركزه وقسم آخر يخشى على حياته. هل هذا عذر مقبول اوحجة مقبولة؟ هل هذا موقف مشروع؟ طبعا لا. لماذا؟

لانه عندئذ يمكن ان نعمم هذه الحجج على السلك العسكري وعلى الجسم الطبي (مثلا على كل العاملين من اطباء وممرضين وممرضات في حقل الامراض المعدية «كالكوفيد 19»): «حياتي في خطر، لن اذهب الى الجبهة» «حياتي في خطر، لن اذهب الى المستشفى».

11. فالمشهد القضائي محزن: اذ انه لم يوجد قاض واحد تجرأ وقرّر مواجهة الا خطار. فالعّلة تكمن اذا في السلطة الثالثة ايضا. ان الخلاصة تفرض نفسها: اذا كان القاضي البناني غير منغمس في الفساد، حتى ولو كان شريفا ونزيها،الا يعتبر انكفاؤه عن المحاسبة على انه علامة خضوع، علامة جبن؟ هل تعتقدون سيداتي وسادتي القضاة، ان مجمل اللبنانيين (جيرانكم، اقاربكم، معارفكم )، ينظرون اليكم بنفس درجة الاحترام والتقدير التي تليق بمهنة تتحلى باعتبار كبير كمهنتكم؟

12. يجب علينا ان لا ننسى: اذا كانت مهنة الطب هي من اسمى المهن وانبلها، لأن الطبيب يعيد الحياة او يعطيها من جديد، فان مهنتكم لا تقل اهمية. اذ ان القاضي يجعل الحياة عادلة. قابلة للعيش.  فالعدل والعدالة يجعلون الحياة اكثر انسانية ويبعدونها عن شريعة الغاب. 

13. هؤلآء المواطنون اللبنانيون، رجالا ونساء، الذين اعتنقوا مهنة القضاء قد خيبوا الأمال. فالجرأة، لدى القاضي الحقيقي، لدى القاضي الأصيل هي من الضرورييات لا بل من المقدسات، تماما كالنزاهة والاستقامة والحيادية والموضوعية. سيدي القاضي، سيدتي القاضية، لم تلبوا نداء الوطن عندما ناداكم الوطن. لقد فشلتم في مهامكم وفي مهمتكم. 

 14. يبقى هناك حلّين: لقد تم انشاء ما يسمى «بنادي القضاة» ولكن لم نر له اي تأثير على مجريات الاحداث. ألم يكن يجدر على هذا التجمع ان يلعب دور فعّال ومميز خاصة في هذه الظروف؟

الم يكن يتوجب عليه ان يشكل نوع من منصة، نوع من قفاز،ان يكون الخميرة التي تدفع القضاة النزيهين على ان يتجراؤا؟ ان تحثهم على الانتفاضة؟ بدل البكاء على الاطلال والاكتفاء بالعراضات العقيمة؟

15. الملاذ الاخير:عندما اتبوأ مركزا ما وعندما افشل في القيام بواجباتي، عندما لا أحترم قسمي المهني، الا تصبح الاستقلاة اشرف؟

اذا كانت رؤية سنونوة واحدة لا تبشر بقدوم الربيع، اذا كانت كرية لمفوية واحدة عاجزة عن التغلب على المرض، اذا لم يكن باستطاعة قاض واحد نزيه وجريء ان يحارب الفساد ولم يكن لاستقالته اليتيمة اي تأثير، فماذا عن استقالات قضائية جماعية؟

16. الا توازي هذه الاستقالات الجماعية وصول اسراب السنونومبشرة بقدوم الربيع؟ الا توازي هذه الاستقالات الجماعية تسونامي الكريات اللمفاوية التي تتعانق لقهر المرَض؟

– هل تساءلتم ماذا سيحل بالسلطة السياسية اثر استقالة قضائية جماعية او حتى استقالة جزئية ذات دلالة؟

– سوف تتعرى تجاه الرأي العام الدولي. فانه من الصعب تصور سيناريو اكثر احراجا على اهل تلك السلطة الفاسدة.

17. ما تطلبونه سيداتي وسادتي القضاة، كسائر اللبنانيين، من تنحي واستقالة هذه السلطة العاجزة، تفضلوا وطبقوه انتم على انفسكم. فهذه الخطوة سوف تسمح:

– اولا بفرز القضاة.

– ثانيا بتبيض صورة القضاء البناني وتحسين سمعته. 

- ثالثا بالرد على وضع اليد على تعيينات المجلس الدستوري من قبل السلطة السياسية. 

– رابعا بحشر الطبقة السياسية في الزاوية بحيث يصبح من الصعب جدا لا بل من المستحيل لها انقاذ نفسها.

18. فانكم بتصرفكم هذا تكونوا قد عرّيتم السلطة من آخر اوراق التين لديها. تخيلوا التبعات الدولية الناتجة عن هكذا موقف. غير المسبوق عالميا والذي سوف يذكر في كتب التاريخ. كما انه من الممكن ان تشكل هذه الخطوة بوادر لحركة تاسيسية تهيىء للتخلص من هؤلاء المغتصبين.

19. انكم تدركون ذلك تماما سيداتي وسادتي القضاة وتعونه في قرارة نفوسكم: سيستحسن الكل خطوّتكم هذه وسوف يلتف الجميع حولكم محليا ودوليا.

20. يبقى هنا سؤال مشروع: ماذا لو ركب موجة الاستقالات بعض القىضاة الفاسدين، وذلك من اجل انقاذ انفسهم؟ لا بأس. اذ ان المطلوب هو ضعضعة الطبقة السياسية، ارباكها وعزلها.

21. ان من أسواء السناريوهات التي يمكن ان تحدث هو ان لا يستقيل الا عدد ضئيل من القضاة. 10% فقط، مثلا. في تلك الحالة تكون قد فهمت الثورة ان الملامة لا تقع فقط على الطبقة السياسية بل ايضا على الجسم القضائي بمجمله الذي يتحمل وزرا كبيرا مما آلت اليه الاوضاع. فان عزوف القسم الاكبر من القضاة عن الاستقالة يجعلهم شركاء في الفساد لابل اكثر. اليس هذا ما يذكرنا به القول: «الساكت عن الحق شيطان اخرس». 

22. بالاضافة الى ذلك، علينا ان نتؤّقع انه فور نشر هذا النداء، سوف تعلو اصوات ابواق السلطة، منتقدة ومنددة بالمبادرة، محاولة تهشيمها والسخرية منها، كما انه من الممكن ايضا ان تلجاء تلك الابواق الى التنمر على القضاة. المهم ان لا يكترث قضاتنا الا لصوت ضميرهم ولصوت شعبهم.

« باسم الشعب اللبناني...»

23. أخيرا سنجد بعض صغار النفوس، بعض « قليلي الايمان» او حتى مندسين يدّعون انه لا جدوى من تلك الخطوة وانه سوف تبوء بالفشل. اذ انه لن يصعب على اركان السلطة القدوم على تعيينات بديلة. الجواب بسيط جدا: فليفعلوها!

24. سيداتي وسادتي القضاة، ان العالم كله يتطلع اليكم. فالكرة باتت في ملعبكم.اوقفوا مسلسل شهود الزور الذي انتم ابطاله. كالسنونوالتي تبشر بقدوم الربيع وعلى صورة الكريات اللمفاوية التي تتحد لمقاومة المرض، توحدوا فيما بينكم. باشروا بفتح كل ملفات الفساد الكبيرة في آن واحد او أقدموا على خطوة الا ستقالات الجماعية معا.

25. لا بل اكثرمن ذلك: فلنعطي الفرصة للقضاة الذين لم يكونوا «على المستوى المطلوب»، «لنعاج القضاء الضالة»، ان يعوضوا عن ما اقترفوه بالاستقالة. وسوف تجدون، سيداتي وسادتي القضاة، المواطنين اللبنانيين يتبارون على اهدائكم بؤبؤ العين وعلى مشاركتكم طعام اطفالهم!